المحملون أوامره ، وعمّاله الذين يعملون بأمره ، من ملائكة الوحي وسواهم ، وسائر رسل الوحي وسواهم من حملة أوامر الله إلى خلقه.
ومهما كان لعرش الرب حملة يوم القيامة والأولى ، لم تكن له حملة يوم خلق الماء ، قبل أن يخلق الأرض والسماء ، فانما خلق كل الحملة من الماء ، وهو مادة الكائنات بأسرها ، فلم يحمل عرشه بعدئذ حملة لحاجته إليهم ، بل لحاجتهم إلى ذلك الحمل كما المحمل إليهم محتاجون ، تطبيقا لأمر الله لمزيد العناية الربانية إليهم ، كما تزيد لمن حمل إليهم تشاريع الله.
هذا ، فذلك إيقاع بالغ لهم صارم بعبودية الكون كله لله الواحد القهار (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) فهنا ، وقد ارتعش الضمير الإنساني منساقا للاستجابة في موكب الكون المستجيب لأمر ربه ، من هنا يخاطب بقية العبودية الفطرية أن يدعو المعبود :
(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(٥٥).
«أدعوا» قد تعم دعوة العبودية بمعرفة توحيدية ، ودعوة الدعاء فيما تكل الطاقات المخولة إلينا ، في قال وحال وفعال ، وكما أن يصبح العبد بكل كيانه دعاء الرب.
وكما الدعاء العبودية والعبادة واجبه الركين أن يكون بتضرع وتذلّل ، كذلك وبأحرى دعاء الاستدعاء ، ولئن تبتلى سائر العبادات بإفلاس في غير إخلاص كما في أكثريتها المطلقة ، فعبادة الدعاء هي بطبيعة الحال مخلصة غير مفلسة ، لأنها قضية الحاجة التي لا تزول إلّا برحمة من الله ، ولكن العبادة ـ ما كانت صالحة في شروط لها في الفقه الأصغر ـ تسقط التكليف وإن لم تقع موقع القبول ولم ترفع بصاحبها إلى حضرة الربوبية.
إذا ف (ادْعُوا رَبَّكُمْ) بمثلث الدعوة التوحيدية والعبودية والاستدعاء ، في مثلث القال والحال والفعال ، فالدعوة والدعاء قلبيا هي الأصل ، ثم القال والفعال إذاعتان لها مهما كان في الفعال عضال دون القال.