ذلك ، فقضية العبودية الذليلة المفتاقة الهزيلة ، أمام الربوبية الشاملة الكاملة العزيزة ، أن تختص الدعوة بضراعة وخفية بساحته القدسية دون اعتداء عنها بترك الدعاء أو الدعاء بكبرياء أو صياح وتصدية ، فالتضرع الخفي أنسب بجلال الله وجبروته وبقرب الصلة بينه وبين مواليه وعبيده.
(ادْعُوا رَبَّكُمْ) الذي رباكم ويربيكم ما دمتم فدامت حاجاتكم : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) (٢٥ : ٧٧) فترك الدعاء ـ إذا ـ اعتداء على ساحة الربوبية عن صالح العبودية.
إذا فادعوه «تضرعا» لكل قصور أو تقصير ، اعترافا ضريعا بالذل ، فاغترافا من رحمته الغزيرة البارعة ، والضراعة هي الضعف والذلة ، فالتضرع هو إبراز هما ببكاء وغير بكاء.
ثم «وخفية» لأنك فيها أبعد من الرئاء ولأنه سميع الدعاء : «أما إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا ، إنه معكم» (١) فالاعتداء من «خفية» إلى جهار زعم أنه لا يسمع الخفية ، كما الاعتداء من الضراعة إلى سواها من حالات الاستكبار ، أم دون تذلل وتضرع ، إلى الاعتداء في أصل الدعاء ألا تدعوا ربكم ، فضلا عن أن تدعوا غيره أم تشركوا في دعاءه سواه ، أم تدعوه بما لا يليق بساحته ، أو ما هو الخارج عن محور الدعاء اللائق بربوبيته الحكيمة ، هذا المسدس وما أشبه محسوب بحساب (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أي يبغضهم.
ثم التضرع هو حالة الضراعة وإن لم تدمع ، وخفية هي من أدب الدعاء «إنه سميع الدعاء» فإن جاهرت بالدعاء تعليما لمن سواك أم خطوة زائدة لسمعك إلى لسانك برنين البكاء والدعاء وحنينه ، اتجاها إلى حنانه
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٤٠ في المجمع روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه كان في غزاة فأشرف على واد فجعل الناس يهللون ويكبرون ويرفعون أصواتهم فقال : أيها الناس أربعوا على أنفسكم أما إنكم ... وفي تفسير الفخر الرازي ١٤ : ١٣١ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): دعوة في السر تعدل سبعين دعوة في العلانية ، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي.