ولأن «قريب» مشتركة بين الذكورة والأنوثة ، ومن المستفاد من هذه الآية واجب الإصلاح في الأرض ومحرم الإفساد فيها ولا سيما بعد إصلاحها ، وترى إذا كانت رحمة الله قريبا من المحسنين ، فهي إذا بعيدة عن المسيئين وهم يعيشون رحمة الله طول حياتهم ، بل وقد تربو لهم على المحسنين؟.
هنا (رَحْمَةِ اللهِ) هي الرحيمية الخاصة بالمؤمنين ، وليست الرحمات الدنيوية الزائدة البائدة للمسيئين ، هي من الرحيمية ، بل هي من الرحمانية التي تتبدل عندهم زحمة ونقمة قضية الابتلاء بها فالسقوط في هوّات الحبوط والهبوط.
فالمصلحون في الأرض ، الداعون ربهم خوفا وطمعا ، هم من المحسنين الذين تكون رحمة الله لهم قريبا ، فهي من غيرهم بعيد قد تصلهم لتصلحهم ، وإلّا فهي لهم مفسدة أكثر مما فسدوا.
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(٥٧).
صيغة «إن ربكم ..» حملت بيانا لربوبية المبدء ، وهذه تحمل من ربوبية المعاد ، فبينهما ربوبية التشريع بين المبدء والمعاد ، و (هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) الحاملة لرحمة من الله (بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) الغزيرة الهاطلة الودق (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ) : حملت «سحابا» : تسحب من أبخرة المياه الأرضية (سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) واللّام هنا تعني الإختصاص الامتصاص ، حيث «إلى» لا تفيد ذلك الإختصاص (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ) المطر بقدر (فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) التي يحتاجها الإنسان من معدن ونبات وحيوان ، بل والإنسان هو أيضا من هذه الثمرات : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (١ : ٧١) ، كافلة لحاجاته ، حاملة لحاجياته «كذلك» الإخراج لموتى البلاد بميتات المياه وميتات البذور : (نُخْرِجُ الْمَوْتى) في البلاد وهو أهون عليه ، إذ يدخل الأرواح الحية الأبدان الميتة بعد ما تنشى أمثالها.