لحاملها مهما كان له عزم في بعض الواجهات رسولية ورسالية ، ثم لا شرعة مستقلة بين نوح ومحمد (عليهما السّلام) إلا لهؤلاء الخمسة ، قضية إمامتهم على كل الرسل في هذا البين ، وعموم شرائعهم للعالمين ومنهم سائر أصحاب الرسالات والنبوات.
وترى كيف كان نوح بعيثا على كل المكلفين ، ولم يجل بنفسه التجوال الرسولي بينهم؟ إنه تجوال رسالي بمن يحملونها عن أولي العزم من الرسل مهما أجمل عن ذكرهم في الذكر الحكيم.
وهنا سرد لدعوته بإجمالها وما عارضه قومه إلى غرقهم أجمعين إلّا من آمن به كإجمال قاصد إلى ملابسة عابرة ليست فيها التفصيلات التي ترد في مواضع أخرى ، بل هو تصوير معالم رئيسية لهذه الرسالة وكما في هود وصالح ، ولوط (عليهم السّلام).
وقد يعني «قومه» كافة المكلفين حيث الأقوام تختلف مصاديقها المعنية بمغازيها ، فالأقوام الرسالية تعني الرساليين كما أرسل الله ، ولأن رسالة نوح كانت عالمية ف «قومه» إذا كل العالمين المكلفين ، وكما دعى على كفار الأرض أجمعين : (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٧١ : ٢٦).
(فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) دعوة مبدئية توحيدية في حقل العبودية الموحّدة تحلّق على كافة الرسالات وهنا (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ) نفي لجنس الإله كما في (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) استئصالا لأية ألوهة لغير الله ، لا أصيلة كما قد يزعم ، ولا فصيلة خلاف ما يدعون.
ثم (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) تلحيقة للمبدء بالمعاد ، وقد يعني «يوم عظيم» إلى المعاد عذاب البرزخ وبينهما عذاب الطوفان ، ف «يوم» هنا هو جنس ليوم العذاب العظيم ، مهما اختلف عظيم عن عظيم ، وفي مثلث العذاب الموعود ، لكونه غيبا كله ، تطوى دعوى الرسالة ، وهي الأصل الثالث من أصول الدين فإنها بين المبدء والمعاد ، ثم والدعوة التوحيدية في جوّ الإشراك المطلق المطبق هي دعوى رسولية.