النصح الرسولي الغالي ، فللنصح دور دائر لكل حائر تبقى حيرته لحدّ ما بعد ساطع البراهين الآفاقية والأنفسية ، وحقيقة النصح هي الإرسال إلى المصلحة مع خلوص النية.
٣ (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وذلك لزامه الوحي فإن (ما لا تَعْلَمُونَ) تحلق على كل أسباب العلم ومسبباتها ، فالعلوم المنقطعة عن منقطع الوحي حاصلة لي من الله بالوحي ، انقطاعا إلى الوحي.
فهذه الثلاث و «أوعجبتم ..» هي قواعد أربع لصرح الرسالة الربانية ، إجابة عن شطحات ك (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) رؤية عوراء حمقاء ترى من يدعو إلى الهدى في ضلال مبين ، والواو العاطفة هنا تعطف إلى محذوف معروف في درج الكلام وهو سائر أسباب العجاب. وهكذا يبلغ المتعرف في الضلال في تبجحه الوقح المرح في انقلاب الموازين والضوابط.
وهذا ما يتقوله ضلّال التاريخ منذ بدءه إلى جاهلية القرن العشرين أنهم أنفسهم متقدمون متحضرون على رعناتهم وحيوناتهم اللّامحدودة ، ثم المؤمنون متأخرون رجعيون ضالون عن سبيل الحياة الراقية!.
هذه الجاهلية المتحضرة! تقول للفتاة التي لا تكشف عن لحمها وعورتها : إنها رجعية ، كما تقول للشباب المؤمن الذي لا يسافد البنات كالحمير : إنه رجعي ، وتقول لمن يترفع اهتماماته عن جنون السكر والأفلام الخلاعية ، وجنون الرقص والحفلات الفارغة ، تقول : إنه جامد ميت. فالجاهلية هي الجاهلية مهما اختلفت شكلياتها وظروفها وملابساتها.
وهنا إجابة عن عجابهم الشباب (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) عطفا على سائر العجاب في مجيء ذكر من ربهم (عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) في رجولة البشرية ، أعجبتم أن الله يهديكم سبيل الرشاد (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) دون اختلاف عنكم في طبيعتها وقضيتها وجواذبها ونوازعها لكي تتم حجة الله عليكم في رسالة من هو «منكم» قطعا لكافة الأعذار ، وأنسا بالمماثل (لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا