ثم (ناقَةُ اللهِ) هي من إضافة آية من الله إليه حيث أخرجها من الجبل ، آية لهم مبصرة لعلهم يؤمنون ، ومن جهة ثانية هي آية في عظم جسمها لأن (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) وليس شرب يوم لماء القرية كلّه إلّا لناقة عظيمة ما أعظمها؟.
ومن جهة ثالثة هي آية دائبة معهم ما لم يمسوها بسوء ، يرونها ما دامت وداموا معها ، فهي آية رحمة من هذه الثلاث ، ثم هي آية عذاب إن مسوها بسوء.
هذه ناقة الله وتلك أرض الله وذلك رزق الله (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) ضربا أو جرحا أم منعا من شرب أو أكل أم راحة ، وأسوء من كل سوء قتلا بعقر.
(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ) حيث أهلكناهم وأخلفناكم بعدهم لننظر كيف تعملون ، (وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) التي تعيشونها خير بواء وإيواء حال أنكم (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) والعثى والعيث هما البالغة في الإفساد ، بفارق أن العثى أكثر ما تستعمل في الفساد المحسوس ، والعيث في غير المحسوس ، و «لا تعثوا» هنا تعني جمع الفسادين ، وانما عبر عنهما بصيغة الفساد المحسوس في الأكثر لأن أكثر المفسدين يفسدون في المحسوس والأقل منهم في غير المحسوس ، قضية أن الثاني بحاجة إلى علم وعقلية بطرق الإفساد فطريا وعقليا وشرعيا أمّا هو ، والأقلون من المفسدين هم الذين يحملون ذلك الإفساد ، فقد جاء التعبير وفقا للأقل والأكثر ، و «مفسدين» إفساد بعد بالغ الفساد في نوعيه ، فقد تعني (لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) المبالغة في كلا الفسادين البالغة إلى الإفسادين ، وقد جمعوا بينهما ، فعقر الناقة هو من عثاهم ، وتكذيب الرسالة هو من عيثهم ، كما ويذكران بعد النهي عن العثى : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ..).
ولقد كان من حق هذا الاستخلاف وهذه القوة والبصطة الزائدة أن