تستوجب شكر النعمة والحذر من البطر واتقاء مصير الغابرين ، ولكن لا حياة لمن تنادي!.
وهنا من مكائد المكذبين استجوابهم المؤمنين بصالح ، باستكبار واستنكار تهديدا وتخويفا : (أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ) وهم على استضعافهم يجيبونهم بكل هدوء وجرأة إذ سكب الإيمان بالله قوة في قلوبهم وثقة في نفوسهم واطمئنانا في منطقهم فلا يخافون إلا الله : (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) ثم هم أولاء : (إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) وكأن كفرهم سندا لكذب الرسالة ، متّبع بين المستضعفين ، ومن خلفيّات استكبارهم أمام صالح والمؤمنين تضعيفا لساعد الإيمان ومساعده (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) فعقر الناقة وهو الاستئصال في العمق حيث لا يبقى على أثر إمحاء للناقة عن بكرتها ـ إنه عقر ـ بزعمهم ـ لآية ربانية ، فإذا زالت فقد زال كيان الرسالة بواجب إتباعها ف (عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) استئصالا لرسالته باستئصال وعده بزعمهم فاستأصلوا هم بذلك الاستكبار الاستدبار (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) : ساقطين على وجوههم وركبهم بكل الوجوه ، خامدين خاملين لا حراك لهم ، فإن أصل الجثم هو السكون والخمود ، فقد خمدت نيرانهم وسكنت حركاتهم.
وقد يتبين من (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) أن لم يؤمن من مستكبريهم أحد ، وانما آمن البعض من مستضعفيهم ، وكما هو طبيعة الحال في كافة الرسالات الإلهية أن المؤمنين هم من المستضعفين حيث يرونها تكفل حقوقهم وتظل عليهم ظلالها.
ذلك ولم يعقر الناقة إلّا واحد حيث (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها. إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها. فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها. فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها. فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها. وَلا يَخافُ عُقْباها) (٩١ : ٥) وقد نسب عقرها إلى جمع الكافرين حيث شاركوه في البعث والتصميم في الصميم. وقد يجمع في هذه النسبة بين الذين بعثوا أشقاهم ، والذين