وشقت ـ هي أقل وأهون من تكاليف الدخول في ملته.
فالدخول في حكم الطاغوت خروج عن نواميس الإنسانية كلها حيث يذبح أتباعه على مذبح هواه ، ويقيم من جماجمهم وأشلاءهم أعلام المجد لذاته ومناه ، ثم يكلفهم عقولهم وعقائدهم وأموالهم وأعراضهم ـ بإعراضهم عن الله ـ لحد لا يملك والد ما ولده ، ولا فتاته عن الدعارات وسائر العارات ، وكل ما يملك بخطواته عن حركاته الصالحة كلها.
ذلك ، وإلى إجابة نكدة من هؤلاء الأنكاد ، لا تحمل إلا تهديدا خاويا :
(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) (٩٠).
وهذه دعاية مستكبرة لعينة ضد الرسالة الشعيبية تهدد أتباعه بالخسران دون بيان أنه ما هي ماهية هذا الخسران ، ليذهب بال المؤمن أي مذهب من ألوان الخسران : دينا ونفسا ومالا وعقلا وعرضا وأرضا أما هو من خسران يبتعد عنه أي إنسان ، ولكن الإيمان الصامد كان قد أخذ موضعه من شغاف قلوبهم فلا يقلّبهم عنه أي كان ، ثم كان عاقبة هؤلاء الأنكاد :
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ)(٩١).
دون حراك حيث خمدت نيرانهم وجمدت ثيرانهم وغيرانهم ، ف :
(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ)(٩٢).
لقد أرادوا إخراج شعيب والذين آمنوا معه بكل إحراج ، فأخرجهم الله من حياتهم وقريتهم (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) : فلم يعمروا هذه الدار ولم يطل مقامهم فيها (١) ، وكأن لم يكن لهم فيها آثار ، حيث أخذتهم الرجفة بعمارهم وآثارهم مع أنفسهم البئيسة التعيسة ، فلقد انطوت
__________________
(١) غنى في مكان : إذا طال مكوثه فيه مستغنيا به عن غيره مكتفيا به.