ربانية من قدر الله بالمكذبين بالدين كيف يأخذهم في تقلّبهم وتغلّبهم بزعمهم وهم غافلون يلعبون أو نائمون.
(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ)(٤).
(بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) هما الأفعل من البائسة والضارة ، وصفان لمحذوف أفضله الحالة ، أو الحياة ، ثم البأساء بأس في النفوس قلقا واضطرابا ، والضراء ضر في الأبدان والأموال والأولاد ، فقد شملتا مضرة الروح والجسم فيما تحلقان على كل كيان الإنسان.
وهذه الأخذة الربانية هي من مخلفات التكذيب بالنبيّين ، أخذا بالبأساء البائسة والضراء الضارة الضارعة في أحوال وأموال وبنين (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) إلى الله تائبين ، فلما عتوا وبغوا وبقوا على تكذيبهم حيث لم تذكرهم البأساء والضراء : السيئة ، جازيناهم بما تزيدهم سيئة العتو والغفلة الغفوة :
(ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(٩٥).
فهنا (مَكانَ السَّيِّئَةِ) بأساء وضراء المذكّرة «الحسنة» الظاهرة المزمجرة أكثر من السيئة «حتى عفوا» ونموا في متطلبات حياة الحيونة المريحة ، فظنوا أنهم في رحمة من الله مهما عتوا ، ويكأن العتو مرضي لله حتى (قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) : ضر وسرور ، فهما يمسنا إذ هما فوضى جزاف لا يعنيان كرامة أو مهانة ، فلا علينا أن نستمر في الكفر والكفران ، ولأننا قد نكون مكرهين بالحسنة مكان السيئة (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) أخذة مزمجرة مدمرة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) موقفهم ، و «لا يشعرون» خطأهم و «لا يشعرون» استحقاقهم و «لا يشعرون» نزول العذاب عليهم إلّا حين نزل إذ كان مباغتا ، وعلى الجملة «لا يشعرون» إلّا فوضى ، فلا يعني بلاء السيئة ولا جزاء في حسنته وسيئته ، بأساء وضراء ، والحسنة سراء عبثا أن يأخذ الله عبادا له بشدة في أنفسهم وأرزاقهم وأموالهم ، ولا لإرواء غلة ولا شفاء اجنة أم يأخذهم بسراء مرحية مرخية تعطفا عليهم بل هما بلاءان