مختلفي الصورة ، وإنما لإيقاظ فطرة نائمة وترقيق قلوب طال عليها الأمد ما كانت فيها بقية: (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ. كَلَّا ..) (٨٩ : ١٦).
كما ولا تعني الحسنة مكان السيئة واليسر مكان العسر والنعمة مكان الشظف ، وعلى الجملة العفو الزيادة مكان النقيصة ، إنها لا تعني إلّا جزاء وفاقا إن لم يضّرّعوا بالبأساء والضراء ، فبلية الحسنة أصعب من بلية السيئة ، ولذلك ترى أكثر الساقطين في البليات هم من المنعمين حيث يكثرون وينتشرون ، مسهلين العيش ، متيسرين الحياة ، معذّرين تخلفاتهم أمام الله ، فقد تعني «حتى عفوا» إلى جانب غورهم في زخرفات الحياة ، اعتبارهم أنفسهم معفوين عن المسؤوليات ، إباحيين في اللذات والشهوات ، عائشين ـ إذا ـ اللّامبالاة الطليقة ، فكل ما يصدر منهم عفو بلا أي تحرج أو مبالات ، فقد عفوا في أنفسهم وأموالهم وأولادهم نماء ، وعفوا عفوا ولأن العفو تأتي بمعاني : الزيادة والانتقاص لازمة ، وبمعنى التجاوز متعدية ب «عن» (١) فطليقة «عفوا» كما هنا قد تعنيها كلّها وفقا لأدب اللفظ وعناية المعنى ، فقد «عفوا» بتلك الحسنات بعد السيئات زيادة ونموا في أنفسهم وأموالهم وأولادهم ومحاصيلهم ، فعفوا انتقاصا على نقصهم في نقضهم عهد الله ، ثم ازدادوا عفوا حيث عفوا عن سيئاتهم أنفسهم بإباحية طليقة وكأنها مشروعة مرضية لله (وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) قصدا إلى أنهما ليستا جزاء وفاقا لسيئات أو حسنات ، إذ لم تكن لآبائنا حالتان مختلفتان تستجران الجزائين هذين المتقابلين ، وكذلك الأمر فينا نحن ، فذلك جريان طبيعي في إقبال الدنيا وإدبارها دونما رباط لهما بحسنات أو سيئات ، أم إن ذلك فوضى جزاف من الله دون أن تكون
__________________
(١) فقد جاء العفو لكلا النمو والانتقاص فهم انتقصوا في نموهم ونموا في انتقاصهم ، يقال : عفى النبت والشجر قصد تناول الزيادة وعفت آثارها زالت وعفى عنه أزال ذنبه.
إذا ف «عفوا» دون أي متعلق تعم عفو الزيادة والنقيضة ومعهما العفو عن ذنوبهم كان ذنوبهم معفوة بما عفوا في نعمهم.