الضراء والسراء خلفية ربانية للسيئات والحسنات.
أم قد بلغ أمرهم في بلية الحسنة بعد السيئة أنهم تحسّنوا كآبائهم مستحقين للحسنة بتركهم شرعة الله التي يدعيها الأنبياء! إذ (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) فنحن ـ إذا ـ ماشون وفق مشيئة الله ، ماضون بأمر الله ، اعتبارا للإشراك بالله وترك شرعة الله ، إيمانا بالله ، فتوحيد وتصديق شرعته ـ إذا ـ كفر به!.
واحتمال آخر أن (قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) تخصهما بهم دون هؤلاء الأولاد ، حيث بدلت السيئة لهم بالحسنة ، فقد عفوا ـ إذا ـ عن أنفسهم إصابة السيئة إن كانت هذه الإصابات قاصدة ، رعونة لهم كأنهم يستحقون ـ فقط ـ الحسنة ، (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) هي شر أخذة ، إذ قد يؤخذ الظالمون بإخبار مسبق كما في قوم لوط (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).
فلأن هؤلاء الأنكاد عمدوا إلى سدّ كل المنافذ حتى لا يسمعوا الحق ولا يروه ولا يفهموه ، مهما مستهم البأساء والضراء إيقاظا لفطرهم ، وهو الخطوة الأخيرة لاهتدائهم دون اختيار لهم ، فلم يزدهم إلّا عتوا ونفورا ، فلذلك يستحقون مباغتة العذاب (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) جيئته الفجيعة إلّا عند ما أخذهم ، كما «لا يشعرون» رغم ما أشعرتهم الضراء والسراء.
وهكذا تكون الدعوة الربانية أنه ما دامت الإمكانية لبلاغ الحجة لا يضنّ بها ، فمن خطوة الحجة البالغة إلى العظة ، وإلى الإنذار بالعاقبة ، وإلى إيقاظ الفطرة بمختلف الأساليب ، وحده الأخير هو إيقاظها رغم تعنّت أصحابها ، ومن ثم استئصالهم حين استأصلت لهم كل الطرق لانتباههم ، إذ لا خير فيهم إلا ضر وشر للإنسانية.
فعندئذ ، في ساعة الغفلة السادرة ، والغفوة الغادرة ، والعفوة البادرة تباغتهم العاقبة المضمونة (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).
وهذه سنة جارية ربانية في إصلاح المتخلفين خطوة خطوة ، حتى إذا خطوا الخطوة الأخيرة في الأخطاء العامدة ، ولم يبق إلى قلوبهم نافذة هدى