لمصلحة تقتضيها ، فلا يحتج بها على سلب الأخرى ، مهما لا يحتج أيضا على إيجابها ، فلنسكت عما وراء العدد إيجابا وسلبا ، مهما يلمح بالسلب لما وراءه.
وهنا (ثَلاثِينَ لَيْلَةً) دورها دور السكوت عما وراءها ، فإذا تأخر موسى الرسول كان ذلك دليلا على وعد آخر يتلوها قبل أن يخبرهم موسى ، ولا فرق ـ إذا ـ بين (أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) بعد (ثَلاثِينَ لَيْلَةً) دون فصل بطرح الوحي ، وبين ذلك الإتمام المستفاد من واقع التأخير لقوم موسى ، والوحي الثاني بحمله لموسى نفسه.
ذلك ، وحتى إذا كان العدد نصا في الحصر ثم لحقته زيادة بنص آخر لا يكذّب هذا الآخر فإن للنسخ مجالا واسعا حين نتأكد من النص الثاني ، فضلا عما هنا حيث العدد ليس نصا في الحصر ولا ظاهرا بينا ، وإنما له لمحة الظهور.
وكضابطة في الأعداد وسائر القيود هي بين حالات ثلاث : ١ أن تدل قرائن على الحصر ٢ أم على سلبه ، ٣ أم لا دلالة على الحصر إيجابيا ولا سلبيا ، وهنا (واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) من القبيل الثالث ، مهما كان ظاهرا طهورا مّا في الحصر ، احتمالا راجحا لحصر المواعدة في «ثلاثين» ولكنه ليس حجة على كذب موسى بما (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) أم كذب الله وعوذا بالله ، حيث الأدلة القاطعة على كمال الصدق وتمامه في قول الله وقول رسول الله ، المبرهن على رسالته بآيات من الله ، هذه الأدلة تجعل ذلك الاحتمال اختمالا وفي بوتقة النسيان ، بل وحتى إذا ناقضت المواعدة الثانية الأولى فوجه النسخ موجه لا يدع مجالا لفرية الكذب في الساحة الربانية والرسالية.
ذلك ، فالقول : إن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه لا يصح إلّا عند فقد القرائن على سلب أو إيجاب ، فليست ضابطة تحلق على كل إثبات انه لا ينفي ما عداه ، إنما هو الإثبات غير الحاصر حدّه بعدّه أو مدّه.