وهنا «عليهم» تعم المرسل إليهم إلى المرسلين ، قصا بعلم لما فعل الرسل وما فعل المرسل إليهم ، قصّ غامر هامر لا يبقي ولا يذر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (١٨ : ٤٩).
ولماذا هنا «قصّ» بديلا عن «إنباء ـ أو ـ إخبار»؟ لأن أخبار الرسل والمرسل إليهم ليست كلها تنبأ ، إنما هي مواضع المسؤولية حيث تقص قصا عن كل ما حصل ، وكما يقص القرآن أنباء ما قد سلف دون عرض لكل ما حصل.
وهنا موازاة بين المسؤول عنه وبين المقصوص ، فكل ما يسأل عنه يقص ، وكلما يقص فهو مسئول عنه ، وقد يشمل السؤال والقص كافة المسؤوليات الفردية والجماعية وكما
في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» (١).
ف (الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) يشمل كافة المكلفين ، معروفين لدينا ومجهولين ، من الجنة والناس ومن سواهم من المسؤولين أجمعين ، كما «المرسلين» تشمل إلى رسل الإنس الرسل الملائكية والجنية ، ومن ثم كل المكلفين بالدعوة الرسالية من علماء ربانيين وآمرين وناهين ، وأية داعية راعية ، فقد تشملهم كلهم «المرسلين» ، فلا تجد مكلفا يوم الدنيا إلّا وهو مسئول يوم الدين دون إبقاء ولا إبطاء : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٣٧ : ٢٤).
ذلك ، ولأن الحشر يعم كافة ذوات الحياة وكما في آية الأنعام : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٦ : ٣٨) فمثنى المسؤولية تشملهم يوم الدين ، مهما اختلفت درجاتها.
وهنا السؤال العام لا يناحر هناك عدم السؤال : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) (٥٥ : ٣٩) حيث السلب يعني سؤال الاستفهام إذ
__________________
(١) راجع الى ص ٢٦