ومن ثم (أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ربا ، نظرا يناسب محتدك الربوبي ، فقد يقرب أنه ك «ناظرة» في (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) نظرة بوجه القلب الفؤاد.
وحين يؤنّب نوح (عليه السّلام) بعرضه : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) عرضا ـ ولمّا يسأل ـ بقوله تعالى : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ولا يؤنب موسى بسؤاله الرؤية ، فقد نتأكد قطعيا أنه لم يكن سؤالا محظورا في أصله ، به مس من كرامة ربه ، وإنما سأل فوق قدره ، فأجيب بمثال فوق قدر للجبل.
ذلك ، والرؤية هي أعم من رؤية البصر ، بل البصيرة فيها أحرى لأنها أمكن وأقوى ك (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (١٢ : ٢٤) و (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (٥٣ : ١١) (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا) (٧ : ١٤٩).
وعلى أية حال لأن الرؤية هي الإدراك أو ما دونه وهما يعمان رؤية البصر والبصيرة ، لذلك ليست لتختص برؤية البصر ولا رؤية البصيرة اللهم إلّا بكلّ بقرينة ، ولأن إفراد النص «أرني» دون «أرنا أو ـ أرهم» يرينا أن موسى (عليه السّلام) إنما تطلب الرؤية لنفسه ، فقد نتأكد أنها كانت رؤية معرفية بصيرة ، دون المعاينة بصرا ، إذ لو كانت بصرا لكان يجمع : «أرنا» حيث الأصل في ذلك التطلبة الحمقاء هم قومه دونه ، أم وإذا شملت الرؤية البصرية فلما ذا سألوها وأذن الله ، وإنما أفرد لكي يعرفوا بسلبيتها عن نفسه سلبها عنهم بأحرى ، ولقد كان سؤال الرؤية البصرية بإذن الله حملا عليه ثقيلا عله أثقل من حمل ابتلاء إبراهيم بذبح ولده إسماعيل.
ذلك ، وهنا «أرني» دون «أرنا ـ أو ـ أرهم» كما بينا ، تجعل الأصل في السؤال الرؤية الممكنة الصالحة وهي المعرفة القمة ، وعلى هامشها الرؤية المسؤولة الحمقاء ، فحين سمع ـ أم وسمعوا ـ : (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ ..) تأكدوا من عدم إمكانية رؤيته المسؤولة لهم ، فحين لا