يستجاب موسى الرسول في تطلب هكذا رؤية فبأحرى هؤلاء البعيدون.
فقد جمع موسى في سؤاله بين مستحيل الرؤية بناء على طلبهم بإذن الله ، وبين الرؤية الممكنة لمن سوى الله في قمتها ، فلم يستقل في سؤاله كلا منهما لوحدها ، تحاشيا عن محظور ، ولكنه هيمانا لمعرفة عليا ، وتطبيقا لأمره تعالى بسؤاله الرؤية المقترحة ، يقول : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فإن فيه جماع الأمرين الأمرين ، ثانيهما أمر من الأوّل لأنه سؤال الجاهلين ، وأولّهما يحمل رجاء إذ لم يرهو من نفسه أن يصل بجهاده وجهوده إلى المعرفة القمة المحمدية ، فتطلب من ربه أن «أرني» فجاء الجواب كلمة واحدة «لن تراني» أنت كموسى على محتدك المحدد بالمعرفة الموسوية ، ولا هم أيا كانوا بالرؤية البصرية.
وقد ترتسم رؤية الرب في مربع : ١ مستحيلة ذاتيا ببصر العين المعاينة ٢ أم ببصيرة مدركة محيطة بالرب ، ٣ أو مستحيلة نسبيا كالرؤية المعرفية ما فوق الطاقة والمقدرة المقررة لمن دون المعصومين (عليهم السّلام). ٤ ثم ممكنة مأمور بها كأصل المعرفة ، وقد تطلب موسى لنفسه الرؤية القمة التي هي فوق كيانه المعرفي ، وعلى هامشها الرؤية البصرية المقترحة من قومه فجاء الجواب «لن تراني» والأصل رؤيته الخاصة ، وهي المناسبة ل (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ..) دون المستحيلة ، فانها مبرهنة البطلان والاستحالة دون حاجة إلى برهنة حسية.
ذلك ، فلا موقع لعرفانيات خرفانيات وفلسفيات تتعدى عن طور المعرفة الصالحة إلى خرافة الحلول ، أو الوحدة الحقيقية للوجود خالقا ومخلوقا وما أشبه من هذه الهرطقات البعيدة عن العقلية والفطرة السليمة ، وعن نصوص الكتاب والسنة. فثالوث الصلاحات المنطقية والفلسفية والعرفانية ، هي خارجة عن دور معرفة الله الصالحة (١).
__________________
(١) من قيلاتهم الغيلات الويلات «بسيط الحقيقة كل الأشياء» توحيدا بين الحقيقة البسيطة الإلهية وكافة المركبات الخلقية! ـ