فحتى لو شملت (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) النية الطالحة ف (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) تقرر الجزاء بظهور نفس النية مظهر العذاب النفسي دون واقع له آخر خارج عن نفس النية.
فذلك الاستنكار يستنكر القول : إن المخلدين في النار مؤبدون فيها لغير نهاية مهما كانت أعمالهم محدودة ، إذ كان من نيتهم السوء أن لو ظلوا أحياء لغير النهاية لاستمروا في سوء أعمالهم؟ حيث تدلنا هذه الآية وأضرابها أن لا دور للنية الطالحة في حقل العقوبة العملية قضية العدالة مهما كان للنية الصالحة دور في حقل المثوبة بفضل من الله ورحمة!.
وهنا احتمال آخر في (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) هو أن الجزاء حسنا وسيئا ليس إلّا بالعمل ، فلما حبطت حسناتهم فلم تبق لهم إلّا سيئات فهم ـ إذا ـ مجزيون ـ فقط ـ بسيئات حيث (قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٢٥ : ٢٣).
وترى أن حصر الجزاء فيما كانوا يعملون كما ينفي العقاب عن نية السوء ، كذلك ينفيه عن ترك الواجب لأنه ليس عملا ، فيختص بفعل الواجب والحرام دون تركهما؟.
كلّا حيث العمل يشمل الإيجاب والسلب ، فكما أن فعل الواجب عمل كذلك تركه لأنه باختيار ، وهكذا فعل الحرام وتركه ، فالمعنيّ من العمل في موقف الثواب والعقاب هو الفعل والترك ، اللذان هما بالفعل فعل إذ لا يتحققان إلّا باختيار الواقع فعلا وتركا.
ولو أن العمل يختص بالموجب دون المنفي فقد تكفي الآيات المهدّدة لترك الواجبات والمرغّبة إلى ترك المحرمات ، تكفي توسعة في حقل الجزاء من العمل إلى تركه.
وبوجه ثالث قد تعني هنا «بما تعملون» فقط الحسنات بقرينة الإحباط ، فالذين تحبط حسناتهم فبماذا يثابون وليست لهم حسنات ، فإنما يعاقبون عقابا خالصا بعد فالس الحسنات وكالسها ، بما فعلوا من عصيانات وتركوا من واجبات.