ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٤٧).
أولئك (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) الصالحة عن آثارها الأخروية مهما كانوا موحدين فضلا عن المشركين والملحدين حيث الحبط في مقام العقوبة ليس إلّا في حقل الحسنات ، فتتمحض الأعمال في السيئات ، وأصل الحبط من قولهم : حبطت الناقة إذا رعت نباتا سامّا فانتفخ بطنها ثم نفقت ، فهؤلاء الأنكاد يتنفخون ويتنفجون بمظاهر من زخرفات الحياة ، فيحسبهم الجاهل على شيء من القوة والمكانة ، ثم ينفقون كما تنفق الناقة التي رعت ذلك النبات السامّ ، فالتكذيب بآيات الله يعم مثلث التخلف في حقل الإلحاد ١ تكذيبا بالله ، ٢ والإشراك تكذيبا بتوحيد الله ، ٣ والتوحيد تكذيبا بشرعة الله المحكّمة.
ثم (وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) تكذيبا لأصل لقاءها ، أم حق لقاءها إلى باطله كمن يخيّل إليهم أن الله لا يحاسب عباده يوم لقاءها أم يعفو عنهم جميعا ، أماذا من الضلال تصورا خاطئا عن لقاء الآخرة.
(هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) فإن حبط أعمالهم في الأخرى هو نفسه حبطها في الأولى ، لخبطها بفراغها عن الإيمان الصالح ، إذا فالجزاء هو نفس العمل دون مغايرة بينهما أو زيادة ، وهذه الضابطة برهان لا مردّ له على أن لا جزاء بمجرد النية في حقل العقوبة ، مهما كان الجزاء بصالح النية ، فإنه قضية فضله تعالى ، وذاك قضية عدله ، فلا جزاء في قسطاس العدل لمجرد النية الطالحة إلّا مجرد النية الطالحة دون أية عملية عقوبية ، فالقصد من العمل هو الحالة الفعلية من قالة أو عقيدة أو عملية ، وليست النية بالنسبة لها إلّا حالة شأنية ، إذا فقضية العدل هي فعلية بفعلية وشأنية بشانية ، اللهم إلا في نية الخير فإن فعلية الثواب لها هي من قضايا فضله تعالى.
أجل ، قد يصح القول إن نية السوء محرمة فيما إذا أدت إلى فعل السوء لأنها ـ إذا ـ من الإثم ـ وهو كل ما يبطئ عن الثواب ـ ، ولكن الجزاء هنا يختص بواقع السوء.