والصحيح منها أن «الوزن» هنا هو الميزان ، حيث (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) (٢١ : ٤٧) ثم الحق أن «الحق» هنا هو الثالث من محتملاته ، حيث هو «القسط» في آية الأنبياء ، كما «الوزن» هنا هو الموازين هناك.
والتعبير عن الميزان بالوزن عناية إلى حق الميزان ، إنه خليصه دون خليطه ، فكأنه هو الوزن بعينه لا يشوبه شائب غير الوزن.
كما وأن «الحق» هو خالص الحق المرغوب غير المشوب ، إذا فالحق الحقيق بالاتباع من الله هو الميزان.
(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) جمع الموزون ، لا الميزان ، حيث الموازين هذه توزن وتقاس بالوزن الحق القسط.
ثم الحق أن «الحق» خبر لمحذوف معروف هو «هو» والجملة ـ على تنكرها أدبيا ـ خبر ل «الوزن» فلا تصلح «يومئذ» وما أشبه خبرا ل «الوزن» ، ولو كان «الحق» خبرا ل «الوزن» بنفسه لكان الصحيح أدبيا «حق» ثم لا يتم المعنى حيث يعني أن «الوزن حق» ثابت لا حول عنه ، وأما ما هو ذلك الوزن فلا خبر عنه اللهم إلّا «هو الحق» الخالص غير الكالس ، الفالس.
ولأن الخسران في التعارف إنما هو النقص في الأثمان ، وهو يخص الأموال لا النفوس ، فذكر الموازين هنا بثقلها وخفتها ، إنما هو بمناسبة الخسران ليكون الكلام متفقا وقصص الحال متطابقا ، فكأنه تعالى جعل نفوسهم لهم بمنزلة العروض المملوكة إذ كانوا يوصفون بأنهم يملكون أنفسهم كما يوصفون بأنهم يملكون أموالهم ، وذكر خسرانهم لها لأنهم عرضوها للخسار والبوار فأوجبوا لها عذاب النار جهنم يصلونها وبئس القرا ، فقد تجاوزوا حد الخسران في الأثمان إلى حد الخسران في الأعيان.