ووجه آخر هو أن الوزن لا يختص بالأثقال الجسمانية ، بل هو في الروحيات أوزن ، فالخسران فيها أخسر ، والربح أمتن ، فالحق ـ إذا ـ أن (الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ).
وليس «الحق» هنا هو الله ، إذ لو كان هو الميزان للموازين لم يك وزن لأحد حتى يوزن به ، إضافة إلى أن ميزانية الله نفسه لموازين العباد ظلم بهم عظيم ، إذ لا يستطيع أحد أن يشابهه في أيّ شأن من شؤونه!.
ولا هو «حق» حيث القصد تعريف الوزن : ما هو؟ لا تثبيت أصله دون معرفة بكيانه ، ثم (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) تفرعا على «الحق» لا دور له إلّا بعد معرفة الحق بكيانه ، لا التأكّد منه بكونه ، مع أنه حق لا فقط «يومئذ» بل في كل الأيام.
كما وليس «الوزن» هو الوزن مصدريا حيث المصدر ليس هو «الحق» الواقع الموجود ، فإنما يخبر «الحق» عن واقع وهو هنا «الميزان» ، وليس هو الموزون حيث لا يوزن الموزون بالموزون.
فصالح المعنى الوحيد إذا أن «الوزن» : الميزان ـ هو «الحق» المقرر من الله لعباده ، وحيا كأصل ، ورسولا كمصداق واقعي عملي للوحي ، وكما تعنيه (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) فالموازين هي الوزن هنا ، كما القسط هو الحق هنا ، ف : «الوزن الموازين» هو «الحق القسط» فلأن الموازين ـ جمع الموزون ـ عدة ، كذلك الموازين ـ جمع الميزان ـ عدة ، عدة بعدة ولا يظلمون نقيرا.
وكما الحق ليس هو صاحب الصالحات الموزونة ، كذلك ليس هو الوزن ، فإنما هو الحق علما وعقيدة ونية وعملا صالحا وحالا وقالا (١).
والوزن الحق هنا وهناك هو كتاب الله وهو رسول الله المتمثل في
__________________
(١) في البحار ٧ : ٢٤٤ : «سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عما يوزن يوم القيامة؟ فقال : الصحف» أقول : ولا تعني الصحف إلا الأعمال بأوصافها حيث تقاس بالحق والقسط.