ولكن خيرته لم تكن خيّرة إذ لم تكن باختيار الله ، إذا فكيف يكون أمر خيرة الأمة الإمر في انتخاب صاحب الأمر بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ كما يروى عن صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف (١).
وهنا الرجفة ليست إلّا لما اختاره هؤلاء المختارون من اقتراح هارف جارف هو سؤال الرؤية كما في آية البقرة ، واللّائح من آية النساء أنه كان قبل اتخاذهم العجل : (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) (١٥٣) وهذه المجاهرة في (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) بعد (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) كما في البقرة ، كانت قريبة الصلة بأمر الوحي المكالمة ، أن لن نؤمن لك ، أن الله هو الذي كلمك ، إلّا أن نرى الله جهرة.
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٧٦ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى سعد بن عبد الله القمي عن الحجة القائم (عليه السّلام) حديث طويل وفيه : قلت : فأخبرني يا بن مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الامام لأنفسهم؟ قال : مصلح أو مفسد؟ قلت : مصلح ، قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت : بلى ، قال : فهي العلة وأوردها لك ببرهان ينقاد لك عقلك ، ثم قال : أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله عزّ وجلّ وأنزل عليهم الكتب وأيدهم بالوحي والعصمة وهم أعلام الأمم وأهدى إلى الإختيار منهم مثل موسى وعيسى (عليهما السّلام) هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذ هما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت : لا ، قال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه عزّ وجلّ سبعين رجلا ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقع خيرته على المنافقين قال الله عزّ وجلّ : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) إلى قوله (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) فلما وجدنا إختيار من قد اصطفاه الله عزّ وجلّ للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظن انه الأصلح دون الأفسد علمنا أن الإختيار لا يجوز إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر ويتصرف عليه السرائر وان لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا الصلاح.