عن قومه إلى الميقات ، وسؤال الرؤية كان قبل اتخاذ العجل ، إذا فهما ميقاتان اثنان لأمرين إثنين أولهما هذا الذي أخذتهم فيه الرجفة ، والأخرى ما أعجل موسى فيه عن قومه فعبدوا العجل بعد ، وهذا مما يبرر ذكرى كلّ لحاله وعلى حدة ، مهما صح فصل قسم من قصة لمناسبة عن قسم آخر تقديما للمؤخر أو تأخيرا للمقدم ، كما تقتضيه المصلحة البلاغية قضية الملابسات المؤاتية ، وهنا تأخر المقدم وتقدم المؤخر في العرض ، لأن المؤخر كان أخزى وأمرّ!.
ثم ترى (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) اعتراض على الله أنه أهلك غير المستحقين له؟ كلّا! وإنما هو استعلام يبينه (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) أن ذلك الإهلاك فتنة لكل من هؤلاء الثلاث : السائلين الرؤية ، والساكتين عن النهي ، والغائبين عن المسرح المنتظرين للنتيجة ، فلقد أجاب موسى نفسه عن سؤاله بإجمال ، إجمالا عن التفصيل الذي علّه بين له دوننا ، والقول أن «فعل» الظاهر في العمل لا يشمل قول السفهاء ، إذا فهي سفاهة أخرى غير قولة الرؤية ، مردود بأن الفعل أعم من العمل ، فهو يشمل مثلث فعل اللسان والقلب والأركان سلبا وإيجابا ، وفعل السفهاء هنا هو قولهم : أرنا الله جهرة ، وترك جمع منهم النهي عن المنكر ، ونقل ثالث سؤال الرؤية.
ذلك ، وقد أضل الله بهذه الرجفة والإحياء بعدها جمعا من هؤلاء وهم الذين أصروا على الضلال بعد سؤال الرؤية (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) (٤ : ١٥٣) وهدى آخرين لم يسألوها أم سألوها وتابوا فلم يتخذوا العجل ، أم ونهوا عن ذلك السؤال وما أشبه ، والآخرون هم من المعنيين في (مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٧ : ١٥٩).
هذا ، وفي (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) من أدب السؤال ما لا قبل له لمكان «لو» المحيلة تلك المشية غير الصالحة ، فإن موسى (عليه السّلام) لم يكن يستحق معهم الهلاك ، ولكنه قد يترجاه حفاظا على رسالته من الهلاك بتكذيب رفاق هؤلاء الهلكى ، ثم «أتهلكنا»