ختمت في صيغة وصياغة واحدة وفي قوة التعبير والتدبير ومسالك الدعوة والدعاية.
فما هؤلاء المجاهيل من المبشرين الإنجيلين المدّعين ـ لأكثر تقدير ـ أن الرسالة القرآنية خاصة بالعرب لإشارات آيات يزعمونها ، ما هؤلاء بناس ، حيث الدعوة القرآنية تحلق على كل الناس ، فإن كانوا هم من الناس فلتشملهم هذه الدعوة ، وإن كانوا من النسناس فأنّى لهم أن يتحدثوا عن شرعة الناس؟!.
ف (ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (٣٤ : ٢٨) و (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) (٦ : ٩٢) (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٢١ : ١٠٧) وما أشبه ، هي القواعد الأصيلة لأممية هذه الدعوة ، مما تفسر الآيات التي تخيّل اختصاص الدعوة بالعرب ، واجتثاثها عن غير العرب ، تفسر أنهم هم المبدء الأول لهذه الدعوة لكون الداعية منهم وفيهم ، وكما في سائر أولي العزم من الرسل سلام الله عليهم أجمعين.
أجل ، وهذه الجمعية الرسولية والرسالية العالمية هي حقيقة بهذا الرسول النبي الأمي المعروف الشهير حيث «أرسله بالدين المشهور ، والعلم المأثور ، والكتاب المسطور ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، والأمر الصادع ، إزاحة للشبهات ، واحتجاجا بالبينات ، وتحذيرا بالآيات ، وتخويفا بالمثلات ، والناس في فتن انجذم فيها حبل الدين ، وتزعزعت سوارى اليقين ، واختلف النجر ، وتشتت الأمر ، وضاق المخرج ، وعمي المصدر ، فالهدى خامل ، والعمى شامل ، عصي الرحمان ، ونصر الشيطان ، وخذل الإيمان ، فانهارت دعائمه ، وتنكرت معالمه ، ودرست سبله ، وعفت شركه ، أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه ، ووردوا مناهله ، بهم سارت أعلامه ، وقام لواءه ، في فتن داستهم بأخفافها ، ووطئتهم بأظلافها ، وقامت على سنابكها ، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون ، في خير دار وشر جيران ، نومهم سهود ، وكحلهم دموع ، بأرض عالمها ملجم ، وجاهلها مكرم» (الخطبة ٢).