الحكمة ، ولم يقدحوا بزناد العلوم الثاقبة ، فهم في ذلك كالأنعام السائمة ، والصخور القاسية ، قد انجابت السرائر لأهل البصائر ، ووضحت محجة الحق لخابطها ، وأسفرت الساعة عن وجهها ، وظهرت العلامة لمتوسمها ـ
مالي أراكم أشباحا بلا أرواح ، وأرواحا لا أشباح ، ونساكا بلا صلاح ، وتجارا بلا أرباح ، وأيقاظا نوما ، وشهودا غيبا ، وناظرة عمياء ، وسامقة صماء ، وناطقة بكماء» (الخطبة ١٠٧).
ذلك! وترى كيف لا يضمن هنا الاهتداء بذلك الإيمان والإتباع وقد كتب الله رحمته لهؤلاء المؤمنين المتبعين؟ لأن مجرد بادئ الإيمان والإتباع أيّا كان لا يضمن دائب الاهتداء ، وإنما هو الاستمرار فيها بشروطهما بعون الله وفضله ، فرب مؤمن به متبع له سوف يكفر ، ورب كافر به ناكر له سوف يؤمن ، فلنسأل الله حسن العاقبة والخاتمة كما نسأله حسن البداية.
(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)(١٥٩).
هنا (مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ ..) وفي أخرى (مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٧ : ١٨١) وفي ثالثة (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) (: ٦٦).
فالأولى خاصة بقوم موسى ومثلها : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (٣٢ : ٢٤) وهنا ما تختص بالذكر من هؤلاء الأئمة الهادية كإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (٢١ : ٧٣).
ثم الثالثة تعمهم إلى قوم عيسى ، وآية الأنبياء تعمها إلى قوم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مما يدل على أن هذه الأمة الهادية بالحق العادلة به هي الأئمة من كل أمة ، معصومين كأصول ، وعلماء ربانيين كفروع لهم.