ف (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ) هي الهداية بمصاحبة الحق وبسببه ، وهو حق الوحي كتابا وسنة ، ثم (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) هو العدل بالحق والعدول عن الباطل بالحق ، فالحق هو الذريعة الوحيدة في العدل والهدى ليس إلّا ، دون مصلحيات هاوية وقياسات خاوية غاوية وما أشبهها من دون الحق الحقيق بالاتباع.
ذلك ، (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١٠ : ٣٥) ـ «ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج الخليقة إليه ، ومتعلم على سبيل نجاة ، أولئك هم الأقلون عددا ، وقد بين الله ذلك من أمم الأنبياء وجعلهم مثلا لمن تأخر مثل قوله فيمن آمن من قوم موسى : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).
فرأس الزاوية في مثلث الهداية هو رسول كل أمة ، ثم الأئمة من قومه ، ومن ثم ربانيو الأمة وقد يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : «معاشر الناس أنا الصراط المستقيم الذي أمرتم بإتباعه ثم علي من بعدي ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون» (١).
ذلك ، ولأن «يهدون» مضارعة تشمل الحال إلى الاستقبال ، فالأصل فيهم بالنسبة لزمن نزول القرآن هؤلاء الذين آمنوا به ودعوا له وهدوا
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٨٦ في كتاب الإحتجاج باسناده إلى الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السّلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة الغدير : .. وفيه في الكافي عن مسعدة بن صدقة سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول يسأل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو واجب هو على الأمة جميعا؟ فقال : لا فقيل له : قال : إنما هو على القوى المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلا إلى أيّ من أيّ والدليل على ذلك كتاب الله تعالى قوله : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فهذا خاص غير عام كما قال الله : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) ولم يقل على أمة موسى ولا على كل قومه وهم يومئذ أمم مختلفة والأمة واحدة فصاعدا كما قال الله سبحانه وتعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ) يقول : مطيعا لله تعالى.