قبرك ، فإن عليه ممرّك ، وكما تدين تدان ، وكما تزرع تحصد ، وما قدمت اليوم يقدم عليك غدا ، فامهد لقدمك ، وقدّم ليومك ، فالحذر الحذر أيها المستمع ، والجدّ الجدّ أيها الغافل (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ـ إن من عزائم الله في الذكر الحكيم التي عليها يثب ويعاقب ، ولها يرضى ويسخط ، أنه لا ينفع عبدا ـ وإن أجهد نفسه وأخلص فعله ـ أن تخرج من الدنيا لاقيا ربه بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها : أن يشرك بالله فيما افترض عليه من عبادته ، أو يشفي غيظه بهلاك نفس ، أو يغرّ بأمر فعلة غيره ، أو يستنجح حاجة بإظهار بدعة في دينه ، أو يلقى الناس بوجهين ، أو يمشي فيهم بلسانين ، أعقل ذلك فإن المثل دليل على شبهه ..(الخطبة ١٥٢).
فيا «عباد الله! زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا ، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا ، وتنفسوا قبل ضيق الخناق ، وانقادوا قبل عنف السياق ، واعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له عن غيرها زاجر ولا واعظ» (الخطبة ٨٩).
وهنا عرض للرحلة الإنسانية الكبرى منذ البداية حتى النهاية ، مزودة برحمات ربانية مفاضة عليها ، دون اختصاص بأمم دون أخرى ، فإنما الإنسانية ككل هي المخاطبة بهذه الخطابات المنونة الحنونة ، المندّدة بها لتخلفها عما فرض الله لصالحها :
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ)(١٠).
.. إنها مقرة صالحة لهذا الجنس البشري بكل ما يصلحه ويصلح له من الحيوية الروحية وسواها إسكانا وتمكينا مكينا متينا أمينا في ذلك المهد المهيد غير الوهيد ، بمعايش كأصلح ما يكون ، ولكن (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) ربكم بذلك الإسكان والتمكين وتلكم المعايش ، حيث التمكين يعني إلى الإسكان ـ مكانا ـ مكانة الإقدار والتسليط ، بل هو أمكن من الإسكان ، فكما (لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٢ : ٣٦) كذلك (هُوَ