كل تعرّف للكون وانتفاع منه تسخيرا له في صراع بينه وبين الإنسان؟ ولكنه صراع بين الإنسان ونفسه ، أو سعي في سبيل الانتفاع مما سخر الله له ، وأما الكون نفسه ف : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (٦٧ : ٣).
فلو كانت النواميس الكونية معاكسة للإنسان فيما يمكّنه ، ودون إرادة مدبرة له كما يزعمون ، ما نشأ هذا الإنسان في الأصل ، ولما استطاع أن يمضي قدما في حياة ، لو أنه وجد دون تلك الإرادة الربانية ، أم أوجد دون حكمة عالية ، ولكنه بما أعد الله ومكنّه في الأرض يتعامل مع الكون تعاملا عاقلا عادلا ويشكر الله على ما منحه ومكّنه ولكن (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ).
ومن هذه القلة القليلة العليلة غير الشاكرة مأساة الوجودية الكبرى في هذه التصورة الجاهلة البائسة اليائسة ، أن الكون بكل ثقله الساحق يسعى إلى سحق هذا الكائن الإنساني ومحقه.
ذلك التصور الخائن الخاطئ عن هذا الكون المكين المتين تجاه الإنسان المخلوق في أحسن تقويم ، الذي ينشئ ـ فيما ينشئ ـ حالة من الانزواء والالتواء والعدمية والانكماش ، أو حالة فردية تمردية تنمردية مستهترة ، نشرا في التيه بما فيه من الهلكة والانهيار!.
كلّا! إن الإنسان هو ابن هذه الأرض المستعمر هو فيها ف : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (١١ : ٦١) و (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٢ : ٢٩).
فالأرض بنفسها موطئة مؤاتية مطيعة لاستعمارها العادل ، ولكن المستعمرين الظالمين في صراع الاستعمار الغاشم هم الذين يخلقون جو الصراع والظلم والضيم في تطاولاتهم على الأرض وأهليها ، ف (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) تصورا عن الحياة ، وتعاملا مع أرض الحياة وعرضها ،