ذلك ، وبوجه آخر ضمنه يلمح بالترتيب الثلاثي خلقا وتصويرا ومن ثم حرمة السجدة الملائكية لهذا الإنسان المخلوق في أحسن تقويم ، والقصد هنا إلى الصورة الإنسانية الكاملة الواصلة إلى أحسن تقويم كيانا على ضوء شرعة الله بعد ما هو أحسن تقويم كونا بفضل خلق الله إياه.
فالكيان الإنساني المتكامل على ضوء الفطرة والعقلية السليمة والوحي ، هو الكيان المسجود له بملائكة الله ، ولا تعني (اسْجُدُوا لِآدَمَ) ـ كما فصلناه في آيات البقرة ـ إلّا سجدة الشكر لله بما خلق آدم معلما لهم ومربيا ، وليست سجدة الحرمة لآدم نفسه ، فضلا عن سجدة العبودية ، حيث التسوية بالله محرمة في شرعة الله : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٢٦ : ٩٨).
وقد يتأيد كون المسجود له احتراما هو الإنسانية دون شخص خاص هو الأول ، أن إبليس يهددهم أجمع بعد ما دحر بتخلفه عن السجود لآدم : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) (١٧ : ٦٢) (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)(١٥ : ٣٩) وهنا (فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ..) ، ولولا أن السجود كان لهم أجمعين بصورة إنسانية كاملة ، لما هددهم بما هددهم أجمعين.
وكما أن خلق آدم كان خلقا لنا أجمعين ، كذلك السجود له هو سجود لنا أجمعين ، اللهم من رد إلى أسفل سافلين ، فانما هو سجود الاحترام بساحة الإنسانية الكبرى ، ولا سيما أهل بيت الرسالة المحمدية كما يقول الإمام علي (عليه السّلام): «وأودعنا في صلبه وأمر الملائكة بالسجود له لكوننا في صلبه» (١).
ولقد جاءت قصة آدم وإبليس بحذافيرها جملة أو تفصيلا في سبعة مواطن : هنا وفي البقرة والحجر وبني إسرائيل والكهف وطه وص ، والقول الفصل حولها آت وقد مضى في البقرة فلا نعيد هنا ، اللهم إلّا ميّزات تختص بها هذه الآيات :
__________________
(١) ملحقات إحقاق الحق ٥ : ٩٢.