حيث نظر إلى فعليته النارية ولم ينظر إلى نورانية ذلك التراب فعلية وقابلية. «ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فصل ما بين النورين وصفا أحدهما على الآخر» (١) ، وحتى لو كان هو خيرا منه ، فخير منهما ومن كل خير هو إتباع أمر الله ، وكما أمرنا بالسجود نحو الكعبة ولا ريب أن من الساجدين من هم أفضل من الكعبة المباركة.
فقد خلقنا بما خلق آدم من تراب هيكلا ترابيا إنسانيا ، ثم صوّرنا بما صور آدم بالصورة الإنسانية جسمانيا ، ثم بما صوره بالصورة نفسيا.
فلنا خلق وتصوير إجماليان هما في خلق آدم وتصويره ، ثم خلق وتصوير تفصيليان هما في خلقنا أنسالا متتابعة ، والقصد هنا من (خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) هو الأولان ، لمكان (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ..) إذ لم يأت ذلك الأمر إلّا بعد خلق آدم وقبل خلقنا تفصيليا ، وقد يعنيهما (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ..) (٢٣ : ٦٧).
فطليق التسليم لرب العالمين لا يعرف حكمة وبرهنة حاضرة معروفة ، حيث الفرض تخطئة كافة الحكم والعلل المناحرة لأمر الله ونهيه
__________________
ـ المناسب للأرضية ، لا جرم كان هذا الوقت أردأ أوقات عمر الإنسان.
هذه أركان قياس إبليس المرتكنة كلها على الظاهر الحاضر ، ولكنه غفل عن واقع هذا الكائن الطيني انه أشرف من الملائكة فضلا عن الجن.
(١) نور الثقلين ٢ : ٦ في العلل دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله (عليه السّلام) فقال له يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس؟ قال : نعم أنا أقيس ، قال : لا تقس فإن أول من قاس إبليس حين قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فقاس ما بين النار والطين ... ، وفيه أصول الكافي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : إن إبليس قاس نفسه بآدم فقال (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فلو قاس الجوهر الذي خلق منه آدم بالنار كان ذلك أكثر نورا وضياء من النار.
وفي الدر المنثور ٣ : ٧٢ ـ أخرج أبو نعيم في الحلية والديلمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليهم السّلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : أوّل من قاس أمر الدين برأيه إبليس .. قال جعفر فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس لأنه أتبعه بالقياس.