ومن الضوابط المستفادة هنا أن الأمر يفيد الوجوب فورا ، فلولا الوجوب هنا لما صح تنديد ، ولولا الفور فلما ذا فور التنديد ، فهذه طبيعة حال أمر المولى أنه يفيد فور الوجوب ، اللهم إلّا أن تدل قرينة قاطعة على خلافه.
ثم وفي نظرة واقعية إلى طبيعة الأمر والنهي ـ بعد الدلالة القرآنية ـ نجد الإيجاب الطليق والمنع الطليق ، اللهم إلّا بقرينة قاطعة تقطع طبيعة الدلالة إلى سواها.
ثم «إذ أمرتك» تصريحة قاطعة أنه كان تحت الأمر بصورة خاصة مع عموم الملائكة ، فلا يرد أنه (كانَ مِنَ الْجِنِّ) فلا يشمله أمر الملائكة ، أو أنه أمر مرتين ثانيتهما في جمع الملائكة اعتبارا بانه كان محسوبا منهم لمشاركته إياهم في مظاهر الأعمال الصالحة في الملإ الأعلى.
فلقد ورطه الاستكبار إلى سحيق العذاب ومحيق المآب ، فهذا إبليس «اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه ، وتعصب عليه لأصله ، فعدو الله إمام المتعصبين ، وسلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبية ، ونازع الله رداء الجبرية ، وادرع لباس التعزر ، وخلع قناع التذلل ، ألا ترون كيف صغره الله بتكبره ، ووضعه بترفعه ، فجعله في الدنيا مدحورا ، وأعد له في الآخرة سعيرا» (١).
وإن أول معصية ظهرت الأنانية من إبليس اللعين حين أمر الله تعالى ذكره ملائكته بالسجود لآدم وأبى اللعين أن يسجد ، فقال الله عزّ وجلّ : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فطرده الله عزّ وجلّ عن جوار رحمته ولعنه وسماه رجيما وأقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلا قرنه مع عدوه إبليس في أسفل درك من النار (٢).
__________________
(١) نهج البلاغة الخطبة ١٩٠ / ١ / ٣٥٦ ، وفي نور الثقلين ٢ : ٦ في علل الشرائع عن جعفر بن محمد (عليهما السلام).
(٢) نور الثقلين ٢ : ٦ في علل الشرائع.