ذلك ، ومن الإبلاس التأويلات القليلة لأحكام الله حسب الأهواء ، كهؤلاء الذين يؤولون أوامر أو نواهي لا يرون تأكيداتها إلى أخلاقيات ، وكأنها كلها من راجحات دون واجبات ، فمن واجبات أخلاقية تحقيق الواجبات ومن محرماتها اقتراف محرمات ، وحتى لو انحصرت الأخلاقيات في غير الملزمات سلبية أو إيجابية ، لم يبرر حمل أوامر ونواهي ـ دون برهان ـ على هذه الراجحات!.
ذلك فلما هبط إبليس بما عصى واستكبر أهبطه الله من دار كرامته إلى دار البلية ف:
(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)(١٣).
(فَاهْبِطْ مِنْها) بما هبطت فأحبطت ما قدّمت (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) : الجنة ، وهي دار الكرامة للمكرمين الصالحين «فاخرج» مع الأبد (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) المخرجين الهابطين الخابطين الذي يستكبرون عليّ إلى يوم الدين. و «الصاغر» هو الدنيء الرذيل.
ك (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٩ : ٢٩) والعالون يقابلونهم : (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) فقد استكبر صاغرا ولم يكن من العالين المكرمين ، أم ومن العالين على آدم ولم يكن.
«فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد ، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة ، عن كبر ساعة واحدة ، فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته ، كلا ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا ، إن حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد ، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين» (١).
__________________
(١) نهج البلاغة الخطبة ١٩٠ / ١ / ٣٥٨ ، أقول «ملكا» فيها لإبليس ليس باعتبار جنسه وأصله ، إنما هو باعتبار محتده الملائكي في عباده وكما أدخله الله فيهم فيما أمر إذ قلنا ـ