وترى «فيها» تختص حرمة الاستكبار على الله بالجنة؟ فلا تحرم في غيرها! إنها تحرمه إلى المكانة مكانا في الجنة ، أن المحرم ليس ليؤتى به في ذلك المكان مهما كان محظورا ككل ، فإن للمكان دخلا في غلظ التحريم.
ثم ترى ذلك الهبوط هو من جزاء ذلك العصيان؟ فكيف أهبط معه آدم وزوجه وقد تابا! إنه من جزاء العصيان مهما كان آكد جزاء لمن لم يتب ، أم إنه طبيعة الحال لمن عصى تاب أم لم يتب ، قضية مكانة خاصة لهذه الجنة ، والتائبون داخلون جنتي البرزخية والأخرى قضية الامتحان هنا ، والنجاح فيه هناك.
(قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ)(١٥).
لقد تطلّب إنظاره (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) لمواصلة إضلاله ، فأنظره الله ، لا إكراما له وإجابة لدعائه ، وإنما إملاء له بمتين كيده ، وإملاء لعباده في دار الإختيار الاختبار.
وتراه أنظر إلى ما نظر واستنظر؟ قد تلمح لعنته إلى يوم الدين إلى تحقق ما نظر ، وهو المعني ـ إذا ـ من يوم الوقت المعلوم : (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ. قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (١٥ : ٣٨) فلعنته إلى يوم الدين قبل استنظاره إليه دليل إنظاره قبله ، فإن مديد اللعنة هو قضية مديد الإنظار على سواء ، وحديث إنظاره إلى يوم المهدي (ع)
__________________
ـ للملائكة ولكنه «كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ».
وفيه «ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضيائه ، ويبهر العقول روائه وطيب يأخذ الأنفاس عرفه لفعل ، ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة ، ولخفت البلوى فيه على الملائكة ، ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله ، تمييزا بالاختبار لهم ، ونفيا للاستكبار عنهم ، وإبعادا للخيلاء منهم ـ فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس ، إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد ، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة ..» (الخطبة ١٩٠ / / ٣٥٦).