كالقاعد على مدرجة بعض السبل ليخوف السالكين منها ، ويعدل بالقاصدين عنها ، فهو «يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ليقتحم غفلته ويستنب غرته»(١).
ولماذا «من» في الأولين و «عن» في الآخرين ، علّه لأن «بين أيديهم وخلفهم» هما جهات منفصلة عنا فهو يأتينا منهما إلينا حتى يضلنا عنهما ، ولكن «أيمانهم وشمائلهم» هما فينا ، فليأتنا تجاوزا عنهما ، فالأيمان هي الفطر والعقول والأديان. والشمائل هي الأنفس الأمارة بالسوء والشهوات.
ثم وذلك الإتيان المربعة الجهات هو بوعده وتمنيّه : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) (٤ : ١٢٠) وتخويفه عن سلوك الصراط : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) (٣ : ١٧٥) كما (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٢ : ٢٦٨).
وعلى الجملة كلّ خطواته المحلّقة على مربعة الجهات : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) (٢ : ١٦٨) وذلك هو احتناكه لهم كما وعد : (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) (١٧ : ٦٢).
وقد تعني «شاكرين» ما يعم المخلصين إلى المخلصين ، ويؤيده : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (١٥ : ٤٢) والمخلصون ـ كما المخلصون ـ ليسوا من الغاوين مهما اختلفت الدرجات ، فإتيان الشيطان عن اليمين : الدين ، يعم الدينين وغير الدينين ، فالأولون يؤتون بتشكيكات حول الدين ، أو تأويلات بتسويلات ،
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ١٠ في نهج البلاغة من كتاب له (عليه السّلام) إلى زياد بن أبيه ـ وقد بلغه أن معاوية قد كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه ـ وقد عرفت أن معاوية كتب إليك يستنزل لبك ويستفلّ غربك فاحذره فإنما هو الشيطان يأتي المرء ..