اعتراف بالظلم العصيان ، وتطلّب للغفران ، وإلا فورد الخسران ، وقد غفر لهما واجتبى آدم بعد ما تاب عليه وهدى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى. ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٢٠ : ١٢١) ولكنه لم يرجعهما إلى جنته بتوبته :
(قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)(٢٤).
هبوط جمعي يضم إبليس إليهما ويضمهما إلى إبليس ، فله هبوط حابط خابط ، ولهما هبوط عن الجنة إلى دار المحنة والبلية : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢ : ٣٨).
وهنا (لَكُمْ فِي الْأَرْضِ) دليل أن الهبوط كان من عل فوق الأرض ، فهو هبوط في المكان كما المكانة ، وأما (اهْبِطُوا مِصْراً) في أخرى ، فهو هبوط عن مكانة الدعة والراحة ، ولا يدل هذا الهبوط بقرينته القاطعة على أنه من أرض إلى أرض ، على أن «اهبطوا» أيضا هكذا وقرينته مضادة لتلك!.
والقدر المعلوم من العداوة في (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) هو المعلوم بين الشيطان والإنسان ، عداوة لا تزول فانها لا تزال بينهما قائمة طول زمن التكليف ، فلا تعني العداء بين الناس أنفسهم ، فانها مرفوضة وأحيانية ، وتلك العداء مفروضة وفي كل الأحيان ، اللهم إلا عداء ضمن عداء ، بما هو قضية ذلك العداء ، حيث «قل لعبادي يقول التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم» (١٧ : ٥٣).
وأما (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (٢٠ : ٢٣) فقد يعني هبوط قبيلي الشيطان والإنسان ، أم قبيل الإنسان ، والمحصور إذا فيهما قضية دار البلية والامتحان ، و «إن الشيطان ينزع بينهم» (١٧ : ٥٣).
وعلى أية حال (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢ : ٣٨) وهي بعد (قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (١).