الجلي ، استفحل سلطانه عليكم ، ودلف بجنوده نحوكم ، فأقحموكم ولجات الذل ، وأحلّوكم ورطات القتل ، وأوطأوكم إثخان الجراحة ، طعنا في عيونكم ، وحزّا في حلوقكم ، ودقّا لمناخركم ، وقصدا لمقاتلكم ، وسوقا بخرائم القهر إلى النار المعدة لكم ، فأصبح أعظم في دينكم جرحا ، وأورى في دنياكم قدحا ، من الذين أصبحتم لهم مناصبين ، وعليهم متألبين ، فاجعلوا عليه حدّكم ، وله جدكم ، فلعمر الله لقد فخر على أصلكم ، ووقع في حسبكم ، ودفع في نسبكم ، وأجلب بخيله عليكم ، وقصد برجله سبيلكم ، يقتنصونكم بكل مكان ، ويضربون منكم كل بنان ، لا تمتنعون بحيلة ، ولا تدفعون بعزيمة في حومة ذل ، وحلقة ضيق ، وعرصة موت ، وجولة بلاء ، فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبية ، وأحقاد الجاهلية ، فإنما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان ونخواته ونزعاته ونفثاته ، واعتمدوا وضع التذلل على رؤوسكم ، وإبقاء التعزز تحت أقدامكم ، وخلع التكبر من أعناقكم ، واتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوكم إبليس وجنوده ، فإن له من كل أمة جنودا وأعوانا ورجلا وفرسانا ، ولا تكونوا كالمتكبر على ابن امه من غير ما فضل جعله الله فيه ، سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد ، وقدحت الحمية في قلبه من نار الغضب ، ونفخ الشيطان في أنفه من ربح الكبر الذي أعقبه الله به الندامة ، وألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة ..(الخطبة ٢٣٤).
ذلك ، وقد يعني «ملكا» تعبيرا عن إبليس عبادته الملائكية وكونه فيهم آلافا من السنين لحد شمله أمر الملائكة : (إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) فلا ينافي ـ إذا ـ (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (١٨ : ١٥).
(يا بَنِي آدَمَ قَد انَزَلنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُواري سَواتِكُمْ وَريشاً ولبَاسُ التَقْوى ذلِكَ خَيرُ ذلٍكَ مِن آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذّكَرَّوُنَ