أجل (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) حيث «اجتالتهم الشياطين عن معرفته ، واقتطعتم عن عبادته» (الخطبة ١) فقد «أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه ، ووردوا مناهله ، بهم سارت أعلامه ، وقام لواءه» و «اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا ، واتخذهم له أشراكا ، فباض وفرخ في صدورهم ، ودب ودرج في حجورهم ، فنظر بأعينهم ، ونطق بألسنتهم ، فركب بهم الزلل ، وزين لهم الخطل ، فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه ، ونطق بالباطل على لسانه».
فالبصيرة الحاصلة على ضوء الفطرة والعقلية السليمة والوحي هي التي تطرد الشيطان ، «ألا وإن الشيطان قد جمع حزبه ، واستجلب خيله ورجله ، وإن معي لبصيرتي ما لبست على نفسي ولا لبس علي» (١٠).
فلقد «حذركم ـ الله ـ عدوا نفذ في الصدور خفيا ، ونفث في الآذان نجيا ، فأضل وأردى ، ووعد فمنى ، وزين سيئات الجرائم ، وهون موبقات العظائم ، حتى إذا استدرج قرينته ـ النفس الأمارة ـ واستغلق رهينته ، أنكر ما زين ، واستعظم ما هون ، وحذر ما أمن» (٨١) «إن الشيطان يسني لكم طرقه ، ويريد أن يحل دينكم عقدة عقدة ، ويعطيكم بالجماعة الفرقة ، وبالفرقة الفتنة ، فاصدفوا عن نزعاته ونفثاته» (١١٩).
ذلك و (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (١٦ : ٩٩).
وليس الإنسان أيا كان ـ ومعه أي كائن كان ـ ليعيش دون أية ولاية ، فهو بين ولاية الشيطان ، وولاية الرحمن ، فالخالط بينهما مشرك ، وولي الشيطان ـ فقط ـ ملحد ، وولي الرحمن موحد.
ذلك ، وكيف بإمكان الشيطان أن (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) وقد ألبسهما الله إياه؟ إنه بما ولّاهما بغرور فاغترابه ، بذلك قد سبب تلك العقوبة من الله لهما أن نزع عنهما لباسهما وأخرجهما من الجنة ، فنزع اللباس والخروج من الجنة بين زوايا ثلاث ، من الشيطان حيث أزلهما ، ومنهما حيث زلا ، ومن الله إذ عاقبهما بما زلّا وضلّا فلم يحل بينه وبينهما