الصهيون! ف :
(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٧).
ذلك ، فمن فتن الشيطان في بني الإنسان نزع اللباس الساتر لعورات الجسم والروح ، إسقاطا لمحتدهم الإنساني إلى هوّات ساحقة ماحقة لكيلا يبقي على أثر من حالتهم الإنسانية وهالتها المتميزة في أرواحهم وأجسامهم كما البهائم وأضل سبيلا.
وهنا «لا يفتننكم» نهي باتّ مؤكد من تلك الفتنة الهاجمة على بني آدم ، الناجمة منه على آدم ، كتجربة مرة مرّت لمرة سابقة ، يجب أن تكون درسا لانسيال آدم إلى يوم الدين.
ذلك وإن هذه الفتنة لبني آدم أبلى منها لآدم ف (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) ولكنه كان يراه بشخصه حيث عرفه الله إياه : (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) (٢٠ : ١١٧) فو الله إن عدوا يراك من حيث لا تراه لشديد المؤنة إلّا من عصم الله ، فلو أن الصيد يرى الصائد لما كان يصاد كما يصاد ، فبنوا آدم هم كلهم مصائد الشيطان الخفي بمكائده من حيث لا يرونه رأي العين البصر ، وإن كانوا يرونه رأى البصيرة فطرة وعقلية ومواصفة على ضوء الوحي.
ذلك ، وفي «لا يفتننكم» تحريض على معرفة الشيطان بأحواله وأحباله ، بأفكاره وأفعاله ، لكي نعرفه ببصائرنا جبرا لما نجهله بأبصارنا ، فالذين يؤمنون هم يعرفونه فلا يفتنون : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).
وكما أن كلمة التوحيد تفرض في سبلها : «لا إله» معرفة كل إله باطل لنرفضه ، ثم معرفة الله لنفرضه ، كذلك في دار الاختبار الإختيار علينا أن نعرف الشيطان بشيطناته حتى لا نوقع في فخاخه ، ومن ثم الطاعة الخالصة غير الكالسة ولا الفالسة لله وحده.