يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ).
وتراهم كانوا ينسبون كل فاحشة يفعلونها إلى الله؟ نعم ، في تأويلهم العليل للمشيئة الربانية ، ولا ، في غير ذلك التأويل (١) ، و «فاحشة» دون «فواحش» أم «كل فاحشة» علّها لشمول الأمرين.
وتراهم يعتبرون ما يفعلونه من «فاحشة» فاحشة ، ثم يبرّرون موقفهم منها بذلك نعم ، في التأويل الأول ، أم لأنها بأمر الله فليست ـ إذا ـ فاحشة ، ولا ، في التأويل الثاني اللهم إلّا من أرذلهم.
ثم هؤلاء الناكرون للوحي كيف يقولون (وَاللهُ أَمَرَنا بِها)؟ إنه في التأويل الأول قولة فلسفية خيّلت إلى أهليها ، وفي الثاني فرية جاهلة على الله يجمعها القول على الله بغير علم : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ).
(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)(٢٩).
«القسط» هنا هو العدل إلى الفضل ، فإن منه فضلا ومنه ظلما ، إعطاء لقسط فاضل أم أخذا لقسط ، فالقسط العدل مأمور به فرضا والقسط الفضل ندبا ، ومن المجموع (أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) وهو السجدة بزمانها ومكانها واتجاهها (٢) ، وإقامة الوجوه هي لله عند كل
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ١٧ في أصول الكافي عن محمد بن منصور قال سألته عن قول الله عزّ وجلّ : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً ..) قال فقال : هل رأيت أحدا زعم أن الله أمرنا بالزنا وشرب الخمر وشيء من هذه المحارم؟ فقلت : لا ، قال : ما هذه الفاحشة التي يدعون أن الله أمرهم بها؟ قلت : الله اعلم ووليه ، فقال : فإن هذا في أئمة الجور ادعوا ان الله أمرهم بالايتمام بقوم لم يأمرهم الله بالايتمام بهم فرد الله ذلك عليهم فأخبر انهم قد قالوا عليهم الكذب وسمى ذلك منهم فاحشة ، أقول : هذا من باب بيان مصداق مختلف فيه حينذاك بين مصاديق الوجه الثاني من (وَاللهُ أَمَرَنا بِها).
(٢) المصدر في تهذيب الأحكام من أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال سألته عن قول الله عزّ وجلّ: (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قال : هذه القبلة.