(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) مما يحل لكم ، ولكن ليس فوضى جزاف أن تبذروا أو تسروا لأنها من أموالكم ، بل «ولا تسرفوا» أكلا ولا شربا زائدا عن الحاجة المتعودة ، إسرافا في كمهما وكيفهما : وإسرافا في أصلهما كأن يكونا محرّمين ، فالأكل والشرب المحرمان هما من الإسراف مهما كانا قليلين ، ومنه المأكول والمشروب اللذان يضران بصحة الإنسان ، فإن فيهما إسرافا ، فلا يختص الإسراف المحظور بحقل خاص في الأكل والشرب ، بل هو فيهما بكل الأبعاد مادة وكما وكيفا وصحيا وأي حظر آخر ، وقد يفسره بهذه السعة : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) (٨٠ : ٢٤).
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) بل يبغضهم ، فضلا عن المبذرين ، ف (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) (١٧ : ٢٧).
إن التبذير والإسراف إضافة إلى محظورهما الجماعي حيث فيهم جياع معدمون ، فيه أيضا محظور صحي روحيا وبدنيا ، لا فحسب الإسراف ، بل والشبع فإن «من شبع عوقب في الحال ثلاث عقوبات : يلقى الغطاء على قلبه ، والنعاس في عينه ، والكسل على بدنه» (١) ، و «كثرة الطعام تميت القلب كما تميت كثرة الماء الزرع» (٢) ، ف «لا تطلب الحياة لتأكل بل أطلب الأكل لتحيا» (٣) ، و «لا تجلس على الطعام إلا وأنت جائع ، ولا تقم عنه إلا وأنت تشتهيه ، وجود المضغ ، وأعرض نفسك على الخلاء فإذا استعملت هذه استغنيت عن الطب» (٤).
ذلك ، و «إن من الإسراف أن تأكل كل ما اشتهيت» (٥) وهو
__________________
(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ٦٧٤.
(٢ ، ٣). المصدر ٨٢٤.
(٢ ، ٣). المصدر ٨٢٤.
(٤) مستدرك النهج ١٦٢.
(٥) الدر المنثور ٣ : ٨٠ ـ أخرج ابن ماجة وابن مردويه والبيهقي عن أنس قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ... وفيه عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ان أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة.
وفيه عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه.
وفيه عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة فإذا ـ