في مطمعك على الجشوبة ، وفي ملبسك على الخشونة؟ يقول : ويحك إن الله عزّ وجلّ فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره .. (١).
ويقول عن نفسه : ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ، ويستضيء بنور علمه ، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياكم بطهريه ـ ثوبيه الباليين ـ ومن طعمه بقرصيه ، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد ، وعفة وسداد ، فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادّخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طهرا ، ولا حزت من أرضها شبرا ، ولا أخذت منه إلّا كقوت أتان دبرة ، ولهي في عيني أوهى وأهون من عفصة مقرة ... ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القزّ ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى ، وأكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :
وحسبك داء أن تبيت ببطنة |
|
وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ |
أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش ، فما خلقت ليشغلني أكل
__________________
(١) المصدر ٢٤ عن الكافي في احتجاج أمير المؤمنين (عليه السّلام) على عاصم بن زياد حين لبس العبا وترك الملا وشكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) انه قد غم أهله وأحزن ولده بذلك ، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام) عليّ بعاصم بن زياد فجيء به فلما رآه عبس في وجهه فقال له : أما استحييت من أهلك ، أما رحمت ولدك ، أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها؟ أنت أهون على الله من ذلك ، أو ليس الله يقول : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ. فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) أو ليس يقول : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) إلى قوله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال وقد قال عزّ وجلّ : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فقال عاصم : ... وفي نهج البلاغة مثله بزيادة : يا عديّ نفسه لقد استهان بك الخبيث ...