الطيبات ، كالبهيمة المربوطة همها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها ، تكترش من أعلافها ، وتلهو عما يراد بها ، أو أترك سدى وأهمل عابثا ، أو أجرّ حبل الضلالة ، أو أعتسف طريق المتاهة .. (٢٨٤) ـ
ذلك ، وفيما يروى عن رسول الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم): «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» حيث شبه الدنيا بالسجن للمؤمن إذ قصر فيها خطوة عن اللذات المرسلة ، وكبح لجامه عن الشهوات المقبلة ، وحصر نفسه عن التسرع إلى ما تدعو إليه الدواعي ، والأهواء المردية ، وكان زمام نفسه وخطامها وهاويها وإمامها خائفا خوف الجاني المرعوب ، والطريد المطلوب ، في عصبته عملوا للمعاد ، وقطفوا للزاد ، تحسبهم من طول سجودهم أمواتا ، ومن طول قيامهم نباتا.
وشبهها (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجنة للكافر من حيث استوعب فيها شهواته ، واستفرغ لذاته ، وقضى فيها الأوطار ، وتعجّل المسارّ ، واستهواه عاجل حطامها ، وريق جماعها ، فنسي العاقبة ، واستهان بالمغبة ، فكان ميّت الأحياء ، كما كان المؤمن حي الأموات (١).
وإليكم من زهادة المرسلين (عليهم السّلام) برواية علي أمير المؤمنين (عليه السّلام):
«وإن شئت ثنيت بموسى كليم الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول : رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير» والله ما سأله إلّا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشدّب لحمه (الخطبة ١٥٨) ـ
__________________
(١) يقول السيد الشريف الرضي في المجازات النبوية (٣٦) بعد هذا التفسير للحديث : من أحسن ما سمعته في هذا المعنى أن بعض الزهاد المنقطعين طلب القوت من بعض الراغبين المفتونين ، فقيل له في ذلك ، فقال : أنا مسجون وهو مطلق ، وهل يأكل المسجون إلّا من يد المطلق.