«ولقد دخل موسى بن عمران ـ ومعه أخوه هارون (عليهما السلام) على فرعون وعليما مدارع الصوف وبأيديهما العصي ، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه ودوام عزه فقال : ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك وهما بما ترون من حال الفقر والذل؟ فهلا ألقي عليهما أساور من ذهب ، إعظاما للذهب وجمعه واحتقارا للصوف ولبسه» (١٩٠) ـ
«وإن شئت ثلثت بداود ـ صلى الله عليه وسلم ـ صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة ، فلقد كان يعمل سفاسف الخصو بيده ويقول لجلسائه : أيكم يكفيني بيعها؟ ويأكل قرص الشعير من ثمنها» (١٥٨) ـ
«وإن شئت قلت في عيسى بن مريم (عليهما السلام) ، فلقد كان يتوسد الحجر ، ويلبس الخشن ويأكل الجشب ، وكان إدامه الجوع ، وسراجه بالليل القمر ، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها ، وفاكهته وريحانته ما تنبت الأرض للبهائم ، ولم تكن له زوجة تفتنه ، ولا ولد يحزنه ، ولا مال يلفته ، ولا طمع يذله ، دابته رجلاه ، وخادمه يداه» (١٥٨) ـ
ومن ثم نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ف «قد حقر الدنيا وصغرها ، وأهون بها وهونها ، وعلم أن الله زواها عنه اختيارا ، وبسطها لغيره احتقارا ، فأعرض عن الدنيا بقلبه ، وأمات ذكرها عن نفسه ، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه ، لكيلا يتخذ منها رياشا ، أدير جوفيها مقاما بلغ عن ربه معذرا ، ونصح لأمته منذرا ، ودعا إلى الجنة مبشرا ، وخوف من النار محذرا» (١٠٧) ـ
«.. خرج من الدنيا خميصا ، وورد الآخرة سليما ، لم يضع حجرا على حجر حتى مضى لسبيله وأجاب داعي ربه ..» (١٥٨) ـ «ولقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كاف لك في الأسوة ، ودليل لك على ذم الدنيا وعيبها ، وكثرة مخازيها ومساويها ، إذ قبضت عنه أطرافها ، ووطئت لغيره أكنافها ، وفطم عن رضاعها ، وزوي عن زخارفها» (١٥٨) ـ