ذلك ، لأن «البغي» غير متمحضة لغويا في المحظور ، فالواوي منها متعدية ب «على» تعني التعدي ، وهي متعدية بنفسها تعني النظر إلى المتعدى كيف هو؟ واليائي منها متعدية هي مطلق الطلب محظورا أو محبورا ، وهي لازمة تعني العدول عن الحق.
ف «البغي» طليقة عن كل هذه تحتملها كلها ، فلذلك قيدت هنا ب (بِغَيْرِ الْحَقِّ) إخراجا للبغي غير المحظور ، فهي ـ إذا ـ هنا يائية لازمة ، أو متعدية بعلى ، حيث تعنيان الطلب الباطل.
ثم الباء في (بِغَيْرِ الْحَقِّ) قد تعني كلا السببية والمعية ، فالأولى تعني أي طلب بسبب غير الحق مهما كان طلبا للحق ، والثاني تعني طلبا مصاحبا غير الحق ، مهما كان طلب الباطل ، أم وطلب الحق مصاحبا حالة الباطل ، كالأمر بالمعروف للتارك له ، والنهي عن المنكر للفاعل إياه ، والدعوة إلى الخير دون معرفة صالحة للخير أو الدعوة إليه ، وإلّا لكان بغيا بغير الحق مهما كان دركات حسب دركات غير الحق.
(وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ، ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) وهي تعم كافة دركات الإشراك بالله ، في ألوهيته وربوبيته وقضاءه وحاكميته الطليقة الربانية وكلما يختص بساحة قدسه تعالى دون سواه ، وهنا (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) مما يزيد الإشراك بالله نحوسة ونكوصة عن الحق المرام.
فلئن كان في الكون سلطان للإشراك ، مهما كان قاصرا نحيفا ، ولن يكن ، لم يكن بذلك البعيد عن العقليات ، ولكن الإشراك الذي لم ينزّل به أي سلطان فطري أو عقلي وما أشبه ، بل وكل سلطان أيّا كان يستنكره ، فهو ـ إذا ـ أنكر المنكرات على الإطلاق!.