معترضين : (قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) تحسّبا للحق المبين الذي يحافظ على كرامتهم أنه ساحر مبين.
ذلك ، وكما عجبوا من أصل الوحي توحيدا لله : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) (٣٨ : ٦).
ولقد كان أهل مكة يقولون : إن الله ما وجد رسولا إلى خلقه إلا يتيم أبي طالب! ثم بصورة عامة (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) (١٧ : ٩٤).
وهنا تقدم (أَنْذِرِ النَّاسَ) على (بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) لتقدم الإنذار على التبشير ، فمن أثر فيه الإنذار يبشّر ومن لا يؤثر فيه لا يبشّر ، فالمنذرون هم أعم من المبشرين ، فهناك «الناس» وهنا (الَّذِينَ آمَنُوا) وبشراهم (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) فهم (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٥٤ : ٥٥) فهو المنزلة عند الله وقد تشمل المنازل التالية وما أشبه :
ف ـ (قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) قد تعني قدم الرحيم الرحمن وقدم الإنسان ، فمن الإنسان قدم الصدق في مثلث الإيمان قالا وحالا وأعمالا النابع من قدم الفطرة والعقلية السليمة الصادقة ، ومن الرحمن قدم الجزاء عليه منذ الدنيا إلى البرزخ وإلى الآخرة ، قدما ربانيا يناسب فضله ورحمته (١) ولأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيط في الإقدام على قدم الصدق في الأولى رسالة وفي الأخرى شفاعة (٢) فقد يصدق عليه
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٠٠ عن الربيع في الآية قال : ثواب صدق.
(٢) المصدر أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله : إن لهم قدم صدق عند ربهم ، قال : «محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) شفيع لهم يوم القيامة» وفيه عن غيره بطرق عدة مثله ، وفي نور الثقلين ٢ : ٢٩٢ عن تفسير القمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية قال : هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورواه مثله عنه (عليه السلام) في روضة الكافي ، وفيه عن المجمع عن أبي عبد الله (عليهم السلام) في الآية قال : هو شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).