ثم و «عبده» مفردا كأنه هو عبده لا سواه ، دون عبد من عباده؟ تلميحا لأنه في قمة العبودية ، لا يساوى ولا يسامى (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ).
فمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «عبده» كأنه فقط لا سواه ، فلا نجد «عبده» في اشرف المواقف إلّا إياه (نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ) (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ) (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) اللهم إلّا (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا)(١) ولكن «زكريا» هنا تبين انه لولاه لما عرف ب «عبده».
وكذلك القرآن كتابه «الكتاب» كل الكتاب كأن لا كتاب سواه ، كتاب في القمة ينزل على (عبد) في القمة ولأنه يحوي كل كتابات الوحي وزيادة!
ثم (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ، قَيِّماً) حالان وصفيتان ، أولاهما سالبة تسلب عنه كل نقص وانحراف ، وأخراهما ايجابية تثبت له كل كمال ، وهذه طريقة مثلي في كل تعريف كامل وكما في أسس الإسلام (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) تخلية ثم تجلية.
والعوج فتحا هو ما يدرك بالبصر سهلا ، وكسرا ما يدرك بالبصيرة ، فلا يرى ارباب البصيرة في القرآن ونبيه انحرافا واعوجاجا وفطورا : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) (٦٧ : ٤) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) (٣٩ : ٢٨) وحقيقته ان يكون فيما يصح عليه ان ينتصب ، ويميل ويضطرب ويستقيم ،
__________________
(١) على الترتيب ٢٥ : ١ ـ ٥٢ : ١ ـ ٥٧ : ٩ ـ ٢٩ : ٢٦ و ١٩ : ٢.