عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢٤).
ألا إن الدنيا «كروضة اعتمّ مرعاها وأعجبت من يراها ، عذب شربها ، تمج عروقها الثرى وينظف فروعها الندى ، حتى إذا بلغ العشب أبانه واستوى بنانه ، هاجب ريح تحت العروق ، وتفرق ما اتّسق ، فأصبحت كما قال الله (هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً)(١) فهي إذا «لا تعدوا إذ تناهت إلى أمنية اهل الرغبة فيها والرضا بها أن تكون كما قال الله (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) .. (٢).
أترى (الْحَياةِ الدُّنْيا) هنا هي الرديئة الدنيئة؟ و (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ)؟ قد لا يناسبها ، فانه رحمة من سماء الرحمة اختلط بها نبات الأرض!
أم هي أدنى الحياة العقلية إلينا وأقربها ، من وراءها الحياة البرزخية والاخرى وهما العليا؟ ويناسبها (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) ولكنما العاقبة (فَأَصْبَحَ هَشِيماً ..) قد لا تناسبها! ـ
ام هي الدنيا بمعنييها حيث يناسبان موضعيها «ماء وهشيما»؟ وهذا أنسب وأحرى!
فكما الماء النازل من السماء طاهر في نفسه ، عال في مكانه ومكانته ، وحين ينزل يختلط به نبات الأرض لينبت ، فلو لا الماء فلا نبات ولا كلاء ، كما لو لا بذور النبات لم يفد الماء ، ومن ثم نبات الأرض الظاهر الزاهر
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٣٦٢ ح ٩٢ في روضة الكافي باسناده عن علي بن الحسين (عليه السلام) حديث طويل في الزهد في الدنيا وفيه يقول (عليه السلام) «فهي كروضة ..»
(٢) عن نهج البلاغة عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام).