هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١١ : ١٨).
ولان العرض فيه الهول المطّلع ، وآياته تخص عرض الظالمين ، فهو ـ إذا ـ خاص بغير المؤمنين ، وأما هم فوافدون إلى ربهم وفد الكرام الى الكريم ـ
(عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) فهم بصفهم في عرضهم يزدادون هولا ، فهنا صف هائل لأهله ، حيث لا حكمة فيه إلّا هوله ، وفي القتال صف هائل للعدو (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) (٦١ : ٤) وأين صف من صف! ثم الخطاب الهائل لذلك الصف والعرض الهائل : (لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ...) وي كأنه خطاب حاضر ، لا مستقبل ، تجسيما وتحضيرا لموقف الخطاب العتاب!
وترى كيف المجيء بمعرض الرب (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)؟ لقد خلقنا فرادى دون ما خوّلنا ولا شفعاء وكذلك نجيئه كما خلقنا : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٦ : ٩٤) هذا مجيء (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ومجيء آخر معه (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٢١ : ١٠٤) (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٧ : ٢٩) فكما خلقناكم فرادى جئتمونا فرادى ، وكما خلقناكم من تراب جئتمونا عائدين كبدئكم من تراب ، كما خلقناكم اوّل مرة جئتمونا ثاني مرة :
(بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (٢٣ : ١١٥) زعمتم إحالة موعد العرض والحساب ، وحسبتم عبث الخلق وعدم الرجوع والإياب ، ولذلك اثاقلتم إلى الأرض ورضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة! :