وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٣ : ٣٠) «ويقولون» والهين حائرين آسفين (يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ) ما له من قوة ضابطة حافظة ، لهذا الشريط والمسجلة «لا يغادر» معصية (صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها)(١) إحصاء لنفس الصغيرة والكبيرة ورسمها لا اسمها ، وكل مسجلة ام شاشة تلفزيونية إنما تحضر ما تلقته إذا سلمت وبقيت على حالتها الاولى حين سجّلت ، وهذا الكتاب ، المسجلة الأرضية بفضائها ، والبدنية بأعضائها اما ذا ، نراها تودي أمانتها بعد ما تمزقت : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ .. يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها. بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها ..) (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) بما سجله الله وأحضره (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ ..)! وليس حضور العمل حضورا لما يحكي عنه من قولة حاكيه ام كتابة ، اللهم إلّا حضوره نفسه وقد انقضى ام تجسّمه وهو تجشّم! إذ ليس انقلاب العمل ـ وهو صورة ـ الى جسم ـ على فرض امكانيته ليس هو هو او صورته ، ثم لا مبرر لهكذا قلب للعمل ولا يجدي نفعا!
إن العمل أيا كان يستبقى دون عامله بزمانه ومكانه ، ويستنسخ منه صور اخرى : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : ف (وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) يعني أصل العمل المستمر وزيادة هي ما استنسخ منه في كتب صوتية وصورية اخرى من أرض بفضائها ، ولا حضور للعمل معقولا هو
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٢٢٩ ـ اخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال : لما فرغ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من غزوة حنين نزلنا قفرا من الأرض ليس فيه شيء فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) اجمعوا من وجد عودا فليأت به ومن وجد عظما او شيئا فليأت به ، قال : فما كان الا ساعة حتى جعلناه ركاما فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أترون هذا فكذلك تجتمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق الله رجل لا يذنب صغيرة ولا كبيرة فانها محصاة عليه.