و (مِمَّا عُلِّمْتَ) دون «ما علمت» تواضع آخر أنني لا أعني من هذه المتابعة ان أصبح مثلك وإنما (مِمَّا عُلِّمْتَ) أن تعلمني بعض ما علّمت!
ثم وليس ذلك الإتباع تقليدا أعمى وانما (عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) :
رشدا في اتباعك ورشدا فيما تعلمني ورشدا مما علمت ، فاتباع المعلم وتعليم الرشد في أسلوب غير رشيدة ، غير سديد ، كتعليم الضلال في أسلوب رشيده ، فانه ضلال بعيد حيث يخيل الى المتعلم أنه رشيد.
فعلى المتعلم أن يكون على بصيرة للحصول على رشدي التعلم بعد رشد الإتباع : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) : اي الى علمه الذي يأخذه عمن يأخذه وكيف يأخذه؟
وبهذا الأدب اللائق بنبي يستفهم دون جزم ويطلب العلم الراشد من المعلم الراشد ، باتباع راشد فانه ليس ليستسلم أمام ذلك التعليم ما لم توافق مواده موازين العقل والشرعة الإلهية! لذلك ينبهه العبد الصالح بما يؤول أمره ، لاختلاف ميزاني الظاهر عند المتعلم ، والباطن عند المعلّم.
(قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)(٦٨).
إحالة في تأكيدي : «إن ـ لن» ان يصبر معه صبرا ، ولا في مادة واحدة ، حيث النكرة في نطاق النفي المؤكد ولا سيما المحيل ، إنها تفيد الاستغراق الحاسم الجاسم.
ولكي لا تكون هذه البداية مزعجة غير مترقبة من صالح الى نبي ، وبعد هذه الآداب ، والحرمات المسبقة ، يعذره المعلم في (لَنْ تَسْتَطِيعَ) ب (وَكَيْفَ تَصْبِرُ) على ما ترى من خلاف الشرعة وهو خلاف العدالة