و «امري» يشمل أمري النسيان والرحلة المدرسية ، فلا تندد بي إذ نسيت ولا تترك تعليمي بعد ما نسيت.
نرى هنالك اجتمعت المشيئتان التكوينية والتشريعية التي تبنتها أن لم يصبر على امره الإمر ، وينهاه موسى عن مؤاخذته بما نسي وإرهاقه من أمره النسيان والتعليم عسرا ، ولو كان نسيانه محظورا لكانت المؤاخذة عليه حقا في ظاهر الشرع ، فلما ذا ينهاه موسى عن مؤاخذة وإرهاق وليس لينهى إلّا حسب الشرع ، كما لم يصبر حسب الشرع!
وترى (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ ..) لم تكن فرية على الخضر وحكما على أمره بإمره ، ومجال الاحتمال لحلية أمره واقع حيث التنبيه المسبق (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً .. فَلا تَسْئَلْنِي ..)؟
الجواب انه سؤال استفهام وليس حكما ، ولم تكن المؤاخذة (أَلَمْ أَقُلْ ..) إلّا على سؤاله لا فريته ، و (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) حكم على فرض عدم الجواب المقنع ، او حكم بظاهر الشرع دون باطنه فلا محظور فيه ، وقد أعذره الخضر!
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً)(٧٤).
«فانطلقا» انطلاقة ثانية في مواصلة الرحلة المدرسية ، انطلق موسى تخليا وتخلصا عن وثاق الوعد : النسيان الاعتراض في سؤال التنديد ، وانطلق الخضر عن المؤاخذة بما نسي موسى (عليه السلام) إرهاقه العسر «حتى إذا» وقعا في وثاق ثان (لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ) : قتله فور لقاءه دون حوار ، وحسب الظاهر دون معرفة مسبقة عن حاله ، وهذا أمر وأدهى من خرق السفينة (١) فانه يخلّف الغرق وقد يمنعه مانع من سدّ
__________________
(١) الدر المنثور في حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن القصة ثم خرجا ـ