وترى (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)؟ ظرف لضلاله؟ أن سعيه ضل عن الحياة العليا في الحياة الدنيا ، فظل يسعى لها دون الأخرى ، وقد يكون ناجحا في هذه الأدنى مهما حرم الأخرى؟ وليس من الأخسرين أعمالا ، حيث الأخسر منه من زاد ضلالا على ضلال ، ١ ـ ضل سعيه عن الآخرة ـ ٢ ـ ثم ضل في سعيه للدنيا ، أن تكون (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ظرفا لسعيه ، فسعيه في الحياة الدنيا ضل ، ضلال في ضلال ، ومن ثم (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) ضلال ثالث ، فهنالك يتم ثالوث الضلالة!
فطالما البطالون خاسرون ولكنهم قد يهتدون ، وكما الساعون للدنيا المهتدون الى منافعها ، فقد يفيقون عن غفوتهم ، ويستقيمون عن زلتهم ، بل والضالون في سعيهم لها ، العارفون بضلالهم ، مهما كانوا بعادا عن الهدى ، ولكن الذي ضل في سعيه عن الحياة العليا إلى الحياة الدنيا ، ثم ضل في سعيه للدنيا ، وهو يحسب انه يحسن صنعا ، غارقا في ثالوث الضلالة ، فانه دائب في سعيه الى خساره في الأولى والأخرى ، ولا ترجى إفاقته عن غفوته وضلاله إذ لم يبق له منفذ إلى صالحه ، فهو من الأخسرين أعمالا!
إنه بسعيه الهادف إلى فوائده في الدنيا يخسرها كما خسر الأخرى ، كادحا إلى خسران ، منفقا حياته في تعب هدرا دونما عائدة إلّا الخسران ، كمن يذبح نفسه بذات يده وهو يحسب انه ذابح خروفا يشويه لطعامه مكدا مجدا في ذبحه!
قد يصبح الساعي بضلاله فيما يعمل من الأخسرين أعمالا في الآخرة وهو في الدنيا رابح حياتها : (.. أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ .. الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ : أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ